الحرب العالمية الأولى

الحرب العالمية الأولى
مع عقارب الساعة من الأعلى: الخنادق على طول الحدود الفرنسية الألمانية، دبابة مارك-5 بريطانية خلال عبورها للخنادق، البارجة البريطانية إريزيستابل تغرق بعد اصطدامها بلغم في مضيق الدردنيل، رشاش فيكرز بريطاني، طائرات ألباتروس دي.3 لسلاح الجو الألماني.
معلومات عامة
التاريخ 28 يوليو 1914 – 11 نوفمبر 1918
(4 سنوات، 3 أشهر وأسبوع واحد)
هدنة كومبين الأولى
من أسبابها أسباب متعددة  [لغات أخرى]‏  تعديل قيمة خاصية (P828) في ويكي بيانات
سبب مباشر اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانتس فرديناند  تعديل قيمة خاصية (P1478) في ويكي بيانات
تسببت في مؤتمر باريس للسلام 1919،  وقوات الحلفاء،  والقيصرية الألمانية،  والإمبراطورية الروسية،  والدولة العثمانية،  والإمبراطورية النمساوية المجرية،  والثورة الروسية،  والحرب الأهلية الروسية،  والاتحاد السوفيتي،  وجمهورية فايمار،  وحرب الاستقلال التركية،  وأوروبا،  وآسيا،  وعصبة الأمم  تعديل قيمة خاصية (P1542) في ويكي بيانات
الموقع أوروبا، أفريقيا جزر المحيط الهادئ المحيط الأطلسي الصين الشرق الأوسط وقبالة سواحل أمريكا الجنوبية والشمالية
النتيجة انتصار القوات الحلفاء
المتحاربون
دول الحلفاء

 فرنسا
 الإمبراطورية البريطانية
 الإمبراطورية الروسية (1914–17)
 المملكة الإيطالية (1915–18)
 الولايات المتحدة (1917–18)
 اليابان
 مملكة صربيا
 مملكة الجبل الأسود
 رومانيا(1916–18)
 بلجيكا
 اليونان(1917–18)
البرتغال (1916–18)
...وآخرون

دول المركز

 الإمبراطورية الألمانية
 الإمبراطورية النمساوية المجرية
 الدولة العثمانية
 مملكة بلغاريا (1915–18)


المتحاربين المشاركين
دارفور (1914-16)
دولة الدراويش
إمارة جبل شمر
...وآخرون

القادة
قوات الحلفاء

فرنسا جورج كليمانصو
فرنسا ريمون بوانكاريه
فرنسا فرديناند فوش
الإمبراطورية البريطانية هربرت أسكويث
الإمبراطورية البريطانية ديفيد لويد جورج
الإمبراطورية البريطانية دوغلاس هيج، إيرل هيج الأول
نيقولا الثاني إمبراطور روسيا
نيكولاي نيكولايفيتش
ألكسي بروسيلوف
فيكتور عمانويل الثالث
فيتوريو إمانويلي أورلاندو
لويجي كادورنا
الولايات المتحدة وودرو ويلسون
الولايات المتحدة جون بيرشنغ
فرديناند الأول ملك رومانيا
كونستانتين بريزان
إمبراطورية اليابان الإمبراطور تايشو
بيتر الأول ملك صربيا
رادومير يوتنيك
بلجيكا ألبرت الأول ...وآخرون

دول المركز

القيصرية الألمانية فيلهلم الثاني
القيصرية الألمانية باول فون هيندنبورغ
القيصرية الألمانية إريك لودندورف
القيصرية الألمانية إريش فون فالكنهاين
القيصرية الألمانية هيلموت فون مولتكه الأصغر
فرانتس يوزف الأول (1914–16)
كارل الأول إمبراطور النمسا (1916–18)
فرانز كونراد فون هوتزيندروف
أرثر إرز فون ستروسنبيرغ
الدولة العثمانية أنور باشا
الدولة العثمانية أوتو ليمان فون ساندرز
الدولة العثمانية طلعت باشا
الدولة العثمانية جمال باشا
الدولة العثمانية مصطفى كمال أتاتورك
فرديناند الأول ملك بلغاريا
نيكولا زيكوف
... وآخرون

القوة
[1]

 الإمبراطورية الروسية 12,000,000
 الإمبراطورية البريطانية 8,841,541[2][3]
فرنسا فرنسا 8,660,000[4]
 المملكة الإيطالية 5,615,140
 الولايات المتحدة 4,743,826
 مملكة رومانيا

1,234,000
 اليابان 800,000
 مملكة صربيا 707,343
 بلجيكا 380,000
 مملكة اليونان250,000
المجموع: 42,959,850

[1]

 الإمبراطورية الألمانية 13,250,000
 الإمبراطورية النمساوية المجرية 7,800,000
 الدولة العثمانية 2,998,321
 مملكة بلغاريا 1,200,000
المجموع: 25,248,321

الخسائر
القتلى العسكريين:
5,525,000
الجرحى العسكريين:
12,831,500
المفقودين العسكريين:
4,121,000
المجموع:
22,477,500  ...للمزيد من التفاصيل.
القتلى العسكريين:
4,386,000
الجرحى العسكريين:
8,388,000
المفقودين العسكريين:
3,629,000
المجموع:
16,403,000  ... للمزيد من التفاصيل.
 

اَلْحَرْبُ ٱلْعَالَمِيَّةُ ٱلْأُوّلَىٰ عُرِفَتْ حينئذٍ بالْحَرِبِ ٱلْعُظْمَىٰ هي حرب عالمية نشبت بدايةً في أوروبا من 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر 1918. وُصِفتْ وقت حدوثها بـ«الحرب التي ستنهي كل الحروب». جُمِعَ لها أكثر من سبعين مليون فرد عسكري، 60 مليون منهم أوربِّيين، للمشاركة في واحدة من أكبر الحروب في التاريخ. لقي أكثر من تسعة ملايين مقاتل وسبعة ملايين مدني مصرعهم نتيجة الحرب،[5][6] وتعتبر أيضًا عاملاً مساهماً في عدد من جرائم الإبادة الجماعية والإنفلونزا الإسبانية عام 1918، والتي تسببت في ما بين 50 و100 مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم. تفاقم معدل الخسائر العسكرية بسبب التطور التقني والصناعي للمتحاربين، والركود التكتيكي الناجم عن حرب الخنادق القاسية. تعدُّ هذه الحرب أحد أعنف الصراعات في التاريخ، وتسببت في التمهيد لتغييرات سياسية كبيرة تضمنت ثورات 1917–1923 في العديد من الدول المشتركة.[7] ساهمت الصراعات غير المحلولة في نهاية النزاع في بداية الحرب العالمية الثانية بعد عشرين سنة.

جمعت الحرب جميع القوى العظمى الاقتصادية[8] في تحالفين متعارضين: قوات الحلفاء (الوفاق الثلاثي وهم المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا والجمهورية الفرنسية الثالثة والإمبراطورية الروسية) ضد دول المركز (الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية ومملكة بلغاريا). مع أنَّ إيطاليا كانت من ضمن الحلف الثلاثي مع الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية إلا أنَّها لم تنضم معهما في حلف دول المركز بسبب خرق الإمبراطورية النمساوية المجرية لشروط الحلف الثلاثي.[9] أُعِيد تنظيم هذه التحالفات وتوسيعها مع دخول المزيد من الدول إلى الحرب: إيطاليا واليابان والولايات المتحدة انضموا إلى الحلفاء بينما انضمت الدولة العثمانية ومملكة بلغاريا لدول المركز.

بين عامي 1908 و 1914، كانت منطقة البلقان قد زُعزِع استقرارها بسبب مزيج من الدولة العثمانية الضعيفة وحروب البلقان 1912-1913 والأهداف الروسية والنمساوية المجرية المتنافسة. وفي يوم 28 يونيو 1914، قام القومي الصرب البوسني اليوغوسلافي غافريلو برينسيب باغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانتس فرديناند مع زوجته في سراييفو، ما أدى إلى نشوب أزمة يوليو. وفي 23 يوليو، أصدرت النمسا-المجر إنذارا نهائياً إلى صربيا. وسرعان ما استقطبت التحالفات المتشابكة جميع القوى الأوروبية الرئيسية مع الإمبراطوريات الاستعمارية الخاصة بها، وانتشر الصراع بسرعة في جميع أنحاء العالم.

أصدرت الحكومة الروسية في 25 يوليو أوامر «لفترة التحضير للحرب». وبعد قصف النمسا-المجر للعاصمة الصربية بلغراد يوم 28، تمَّت الموافقة على التعبئة الجزئية من المناطق العسكرية الأقرب إلى النمسا، بما في ذلك كييف وكازان وأوديسا وموسكو. تمَّ الإعلان عن تعبئة روسية عامة مساء 30 يوليو. وفي 31، فعلت النمسا-المجر وألمانيا الشيء نفسه، في حين طلبت ألمانيا من روسيا تسريح في غضون 12 ساعة. عندما فشلت روسيا في الامتثال، أعلنت ألمانيا الحرب في 1 أغسطس، وتبعتها النمسا-المجر في يوم 6. أمرت فرنسا بالتعبئة الكاملة لدعم روسيا في 2 أغسطس. الدخول الفرنسي في الحرب جاء رغبةً في استعادة مقاطعتي الألزاس واللورين التي تنازلت عنها بعد الحرب الفرنسية-البروسية 1870-1871، والقلق من قوة ألمانيا المتزايدة والالتزامات العسكرية المتفق عليها مع روسيا.

كانت الاستراتيجية الألمانية للحرب على جبهتين ضد فرنسا وروسيا هي تركيز الجزء الأكبر من جيشها في الغرب على هزيمة فرنسا في غضون أربعة أسابيع، ثمَّ تحويل القوات إلى الشرق قبل أن تتمكن روسيا من التعبئة بالكامل؛ هذه ستعرف لاحقاً بخطة شليفن. في 2 أغسطس، طالبت ألمانيا بالمرور الحر عبر بلجيكا، وهو عنصر أساسي في تحقيق انتصار سريع على فرنسا. عندما تمَّ رفض ذلك، دخلت القوات الألمانية بلجيكا في وقت مبكر من صباح 3 أغسطس وأعلنت الحرب على فرنسا في نفس اليوم. استخدمت الحكومة البلجيكية معاهدة لندن (1839) وامتثالاً لالتزاماتها بموجب المعاهدة، أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا في 4 أغسطس. وفي 12 أغسطس، أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على النمسا-المجر. وفي 23، انضمت الإمبراطورية اليابانية إلى قوات الحلفاء، واغتنمت الفرصة لتوسيع دائرة نفوذها من خلال الاستيلاء على الممتلكات الألمانية في الصين ومنطقة المحيط الهادئ. في 24 أغسطس، حققت صربيا انتصار كبير على النمسا-المجر في معركة سير.

توقَّف التقدم الألماني إلى فرنسا في معركة مارن وبحلول نهاية عام 1914، استقرت الجبهة الغربية على معركة استنزاف تميزت بسلسلة طويلة من خطوط الخنادق التي تغيَّرت قليلاً حتى عام 1917. على الجبهة الشرقية، دخل جيشان روسيان شرق بروسيا في 17 أغسطس، امتثالاً لاتفاقهما مع فرنسا عام 1912 لمهاجمة ألمانيا خلال 15 يومًا من التعبئة. أجبر الألمان على تحويل قوات من الغرب، لكنهم نجحوا في صدِّ هذا الغزو بانتصارات في تانينبرغ وبحيرات ماسوريان. ومع ذلك احتل الروس مقاطعة غاليسيا الشرقية في النمسا والمجر.

في نوفمبر 1914، انضمت الدولة العثمانية إلى دول المركز، وفتحت جبهات في القوقاز وبلاد الرافدين وشبه جزيرة سيناء. في عام 1915، انضمت إيطاليا إلى دول الحلفاء وانضمت بلغاريا إلى دول المركز. انضمت رومانيا إلى قوات الحلفاء في عام 1916. وبعد غرق سبع سفن تجارية أمريكية بواسطة غواصات ألمانية، والكشف عن أنَّ الألمان كانوا يحاولون تحريض المكسيك على شنِّ حرب على الولايات المتحدة، أعلنت الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا في 6 أبريل 1917. انهارت المقاومة العسكرية الروسية، ممَّا سمح بنقل أعداد كبيرة من القوات الألمانية إلى الجبهة الغربية. وفي أبريل 1918 وقعت روسيا على معاهدة برست ليتوفسك مع القوى المركزية لتخرج من الحرب.

أنهت ثورة فبراير 1917 في روسيا الحكم الاستبدادي القيصري وجاءت بالحكومة المؤقتة، لكن استمرار السخط الشعبي على ثمن الحرب أدى إلى ثورة أكتوبر وإنشاء الجمهورية السوفياتية الاشتراكية. كان الهجوم الألماني في مارس 1918 ناجحًا في البداية ولكن الحلفاء احتشدوا ودفعوهم مرة أخرى إلى التراجع في هجوم المائة يوم؛ في 28 سبتمبر، طلب قادة الجيش الألماني الهدنة. في 4 نوفمبر 1918 وافقت الإمبراطورية النمساوية المجرية على هدنة فيلا غوستي. ومع حدوث ثورة في الداخل وعدم رغبة الجيش في الاستمرار بالقتال، تخلى القيصر فيلهلم عن العرش الألماني في 9 نوفمبر، كما وقعت ألمانيا أيضًا هدنة في 11 نوفمبر 1918، والتي عرفت فيما بعد بهدنة كومبين الأولى.

نتيجة للحرب استبدلت الإمبراطوريات الروسية والألمانية والنمساوية المجرية والعثمانية بدول جديدة قائمة على القوميات. فرضت القوى الأربع بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا شروطها في سلسلة من المعاهدات المتفق عليها في مؤتمر باريس للسلام عام 1919. كان الهدف من تشكيل عصبة الأمم هو منع حرب عالمية أخرى، ولكن لأسباب مختلفة فشلت في القيام بذلك. الشروط القاسية التي فرضتها معاهدة فرساي على ألمانيا ساهمت في صعود الحزب النازي ونشوب الحرب العالمية الثانية. غيرت الحرب العظمى أجزاء كبيرة من أوروبا والشرق الأوسط بطرق لها تبعات باقية إلى اليوم.

أصل التسمية

أوروبا عام 1914

في أكتوبر عام 1914 كتبت مجلة ماكلين الكندية (Maclean's Magazine) «بعض الحروب تُسمِّي نفسها، هذه هي الحرب العُظمى».[10] وهناك اسم آخر نُشر في نيويورك أوائل شهور الحرب كان بعنوان الحرب العالمية.[11]

استُخدم اسم الحرب العالمية الأولى لأول مرة في سبتمبر من عام 1914 من قبل الفيلسوف الألماني إرنست هيكل حيث قال: «أنه لا يوجد شك في أن خشية مسار وطابع الحرب الأوروبية سوف يكوِّن الحرب العالمية الأولى بالمعنى الكامل للكلمة».[12] أيضًا ذُكر اسم الحرب العالمية الأولى في عام 1920 من قبل المؤرخ والصحفي الإنجليزي تشارلز ريبنغتون.[13]

أسماء الحرب العالمية الأولى في الدول التي امتدت بها الحرب:

  • بالألمانية: Erster Weltkrieg (نقحرة: إياستا ڤيلتكغيگ)
  • بالفرنسية: Première Guerre mondiale (نقحرة: پغيميه گيه مونديال)
  • بالروسية: Первая мировая война (نقحرة: Pervaya mirovaya voyna؛ پيرڤي ميراڤاي ڤاينا)
  • باليونانية: Α΄ Παγκόσμιος Πόλεμος (نقحرة: A΄ Pankósmios Pólemos؛ پروتس پانكوزميوس پولَميوس)
  • بالصربية: Први светски рат (نقحرة: Prvi svetski rat؛ پرڤي سڤيتيكي رات)
  • بالبلغارية: Първа световна война (نقحرة: Pŭrva svetovna voĭna؛ پورڤه سڤيتوڤنه ڤوينا)
  • بالإيطالية: Prima guerra mondiale (نقحرة: پريما گويره موندياله)
  • بالتركية العثمانية: حرب عمومی (نقحرة: حرب عمومي)
  • بالرومانية: Primul Război Mondial (نقحرة: پريمول رازبوي مونديال)
  • بالصينية: 第一次世界大战 (نقحرة: Dì yī cì shìjiè dàzhàn؛ دي ييّْ سو شيتي داجان)

الدوافع

التحالفات السياسية والعسكرية

في القرن 19 قامت الدول الأوروبية الكبرى بجهد كبير للحفاظ على توازن القوى في جميع أنحاء أوروبا مما أدى إلى وجود شبكة معقدة من التحالفات السياسية والعسكرية في جميع أنحاء القارة بحلول عام 1900.[9] بدأ كل ذلك في عام 1815 تحت مسمى التحالف المقدس بين بروسيا وروسيا والنمسا. في أكتوبر من عام 1873 قام المستشار الألماني أوتو فون بسمارك بالتفاوض مع الأباطرة الثلاثة ملك الإمبراطورية النمساوية المجرية، ملك الإمبراطورية الألمانية وملك الإمبراطورية الروسية ولكن هذا الاتفاق قد فشل بسبب أن الإمبراطورية النمساوية المجرية والإمبراطورية الروسية لم تتفقا على سياسة البلقان، مما أدى إلى تحالف الإمبراطورية النمساوية المجرية والألمانية عام 1879 في تحالف سُمي التحالف المزدوج واعتبر ذلك وسيلة لمواجهة النفوذ الروسي في البلقان حيث واصلت الدولة العثمانية بالضعف.[9]

مواطنو سراييفو يقرؤون ملصق إعلان ضم الإمبراطورية النمساوية المجرية البوسنة لإمبراطوريتها في عام 1908.

في سنة 1882 توسع هذا التحالف بعدما انضمت إيطاليا إليه وأصبح بذلك تحالفًا ثلاثيًا.[14] كان بسمارك يحاول جعل روسيا مع ألمانيا حتى يمنع حصول قتال في الجبهتين الفرنسية والروسية. حينما تُوِّج فيلهلم الثاني قيصرًا لألمانيا اضطر بسمارك للتقاعد ونظام التحالفات الذي عمل لأجله قد أُلغي تدريجيًا. فعلى سبيل المثال لم يُجدد القيصر معاهدة إعادة التأمين مع روسيا في عام 1890. بعد سنتين وُقِّع التحالف الفرنسي الروسي لمواجهة قوة التحالف الثلاثي. في عام 1904 وقعت بريطانيا عدة اتفاقيات من بينها الحلف الودي مع فرنسا وفي عام 1907 وقَّعت بريطانيا وروسيا الحلف الأنجلو الروسي في حين أن هذه الاتفاقيات لم تحالف بريطانيا رسميَّا مع فرنسا وروسيا، ولكنها جعلت دخول بريطانيا للأراضي الفرنسية أو الروسية في المستقبل ممكنًا وأصبح يُعرف بالوفاق الثلاثي.[9]

سباق التسلح

نمت القوة الاقتصادية والصناعة في ألمانيا كثيرًا بعد حركة توحيد ألمانيا في عام 1871 تبعتها الحرب الفرنسية البروسية. منذ منتصف عقد 1890 استعملت حكومة فيلهلم الثاني هذا الأساس لتكريس موارد اقتصادية كبيرة لبناء البحرية الإمبراطورية الألمانية التي تأسست على يد الأدميرال ألفريد فون تيربيتز في منافسة مع البحرية الملكية البريطانية للتفوق في البحرية من بين دول العالم.[15] ونتيجة لذلك سعت كل دولة إلى بناء السفن الرئيسية. مع إطلاق بارجة HMS Dreadnought في عام 1906 توسَّعت الإمبراطورية البريطانية بسبب تميزها على منافستها الألمانية.[15] في نهاية المطاف توسع سباق التسلح بين بريطانيا وألمانيا إلى جميع أنحاء أوروبا، فمع وجود كل القوى الكبرى تم تكريس قاعدة صناعية لإنتاج المعدات والأسلحة اللازمة لصراع عموم أوروبا.[16] بين أعوام 1908 و 1913 زاد الإنفاق العسكري من القوى الأوروبية بنسبة 50٪.[17]

ويظهر الجدول التالي نفقات القوى العظمى على الجيش والبحرية بالمارك الألماني عام 1913.[18]

الدولة السكان
(مليون نسمة)
نفقات الجيش
(مليون مارك)
نفقات سلاح البحرية
(مليون مارك)
المجموع
(مليون مارك)
الإمبراطورية الألمانية 67,5 1009 467 1476
الإمبراطورية النمساوية المجرية 52,7 496 155 651
مملكة إيطاليا 35,1 332 205 537
الإمبراطورية الروسية 157,8 1254 498 1752
فرنسا 39,7 766 412 1178
المملكة المتحدة 46 576 945 1521
الولايات المتحدة الأمريكية 96,8 422 595 1017
الإمبراطورية اليابانية 54,3 207 203 410

الصراعات في البلقان

خريطة العالم تظهر المشاركين في الحرب العالمية الأولى. الذين يقاتلون مع جانب الحلف الثلاثي (الوفاق الثلاثي) يظهرون باللون الأخضر، ودول المركز باللون البرتقالي، والبلدان المحايدة باللون الرمادي.

أعلنت الإمبراطورية النمساوية المجرية الضم العسكري للبوسنة والهرسك فيما عُرف بالأزمة البوسنية (1908–1909) عن طريق ضم الأراضي العثمانية السابقة البوسنة والهرسك التي احتلتها منذ عام 1878 وقد أغضب هذا مملكة صربيا ورعاتها؛ القومية السلافية والأرثودكسية الشرقية في الإمبراطورية الروسية.[19] زعزعت المناورات السياسية الروسية في المنطقة استقرار اتفاقيات السلام، وقد نُقضت بالفعل وقد سمي هذا الوضع «ببرميل بارود أوروبا». في عام 1912 و1913 وقعت حرب البلقان الأولى بين اتحاد البلقان والدولة العثمانية الضعيفة وكنتيجة لإنهاء هذه الحرب ظهرت معاهدة لندن للسلام وإنهاء الحرب، وقد تسببت هذه المعاهدة في تقليص الدولة العثمانية وإنشاء الدولة الألبانية المستقلة في حين توسعت حيازات أراضي بلغاريا، صربيا، الجبل الأسود واليونان. عندما هاجمت بلغاريا كل من صربيا واليونان يوم 16 يونيو 1913 فقدت معظم مقدونيا إلى صربيا واليونان وجنوب دوبروجا لرومانيا في حرب البلقان الثانية التي استمرت 33 يومًا وقد أدَّى ذلك لزعزعة المزيد من استقرار المنطقة.[20]

إن التحول الحقيقي في نشوب الحرب العالمية الأولى هو بسبب تحول ميزان القوى بعد حرب البلقان، فقد زاد التقارب بين دول الوفاق الثلاثي إنجلترا وفرنسا وروسيا، استطاعت الإمبراطورية الروسية أن تتحكم في الصرب وإزداد نفوذها في رومانيا، ومن أخطر نتائج حرب البلقان هو نمو صربيا أرضًا وسكانًا كذلك اشتداد الحركة الصربية داخل الصرب وبين الأقليات الصربية الموجودة تحت حكم النمسا. بسبب الجفاء بينها وبين بلغاريا إضافًة إلى أن الدولة العثمانية لم تعد قوية كما كانت كل ذلك سمح لروسيا بأن تفكر في الاستيلاء على أراضيها ومضائقها البحرية ولكن هذا كله لن يحصل إلا بحرب أوروبية، لذا عليها أن تخلق مشكلة سياسية إذا أرادت احتلال المضائق في الوقت الذي كانت فيه زيادة التسلح في أوروبا سائرة بوتيرة سريعة.[21]

مقدمة

القبض على غافريلو برينسيب عام (1914)م عقب اغتياله الأرشيدوق فرانتس فرديناند.

حادثة سراييفو

غافريلو برينسيب، قاتل فرانتس فيرديناند

في 28 يونيو 1914 في أثناء زيارة وريث العرش النمساوي الأرشيدوق فرانتس فرديناند وزوجته بسراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، تجمعت مجموعة من ستة قتلة في الشارع الذي سيمر به الموكب، والقتلة هم: نيديليكو كابرينوفيك، سيفيتكو بوبوفيتش، محمد باسيك، غافريلو برينسيب، تريفكو غاربيز وفاسو كبريلوفيك من حركة البوسنة الشابة المجهزة من قبل تنظيم اليد السوداء السرية.

في الساعة 10:10 صباحًا [22] اقتربت سيارة ولي العهد من الشارع الذي سيمر فيه، فألقى نيديليكو كابرينوفيك قنبلة على سيارة الأرشيدوق المكشوفة [23] وتسبب ذلك في إصابة ضابط الحراسة وعدد من الناس قدِّروا بحوالي 16-20 مصاب.[24] بعد ذلك حاول القتلة الآخرون في اغتياله ولكن سيارة ولي العهد مرت بسرعة من بينهم بعد حادثة القنبلة الأولى. بعد ساعة من هذا الحادث وبعد عودة ولي العهد من مستشفى سراييفو في زيارة لضابط الحراسة المصاب اتخذت قافلة المسير منعطفًا خاطئًا لأحد الشوارع، ومن باب الصدف المقدرة أن غافريلو برينسيب كان واقفًا هناك. أطلق برينسيب طلقتين من مسدسه على ولي العهد فرانتس فرديناند على الوريد الوداجي للأرشيدوق أما الطلقة الثانية فأصابت زوجته صوفي لتكوِّن جرحًا في بطنها.[25]

كان رد فعل الشعب النمساوي معتدلًا أو بالكاد كان هناك اختلاف حتى ظُن أن هذه الحادثة لن يكون لها تأثير واضح، وقد كتب المؤرخ البريطاني زبينيك زيمان في وقت لاحق، «كاد هذا الحدث أن يفشل في خلق رد فعل، ففي يومي الأحد والإثنين [28 و29 يونيو] استمعت الحشود في فيينا للموسيقى وشربت الخمر وكأن شيئًا لم يحدث».[26][27]

تصاعد العنف في البوسنة والهرسك

في سراييفو نفسها شجعت السلطات النمساوية [28][29] العنف ضد السكان الصرب وظهرت أعمال شغب مناهضة للصرب في سراييفو، وأدَّى هذا إلى قيام الكرواتيين والبوسنيين المسلمين في قتل صربيين اثنين وتضرر العديد من المباني المملوكة من قبل الصرب. وصفت هذه الأحداث بأنها من خصائص البوغروم، وقد أشار الكاتب إيفو أندريتش لهذا العنف بأنه «جنون كراهية سراييفو» "Sarajevo frenzy of hate.".[30] لم تنظم أعمال العنف ضد الصرب في سراييفو فقط بل في العديد من المدن الأخرى للإمبراطورية النمساوية المجرية الكبيرة (في الزمن الحالي هي كرواتيا والبوسنة والهرسك).[31] قامت السلطات النمساوية المجرية في البوسنة والهرسك بسجن وترحيل ما يقرب 5,500 من الصرب البارزين و700 إلى 2,200 منهم مات في السجن، وحكم على 460 من الصرب بالموت وأغلبهم كانوا مسلمين.[32][33] تأسست ميلشيا خاصة عُرفت باسم (Schutzkorps) قامت بتنفيذ الاضطهاد ضد الصرب.[34]

حشد متجمع حول أكوام من الممتلكات الصربية التي دُمِّرت في سراييفو في 29 يونيو 1914

أزمة يوليو

أدى هذا الاغتيال لشهر من المناورات الدبلوماسية بين الإمبراطورية النمساوية المجرية وألمانيا وروسيا وفرنسا وبريطانيا وسميت هذه الأزمة بأزمة يوليو. والاعتقاد الصحيح هو أن المسؤولين الصربين (خاصًة المسؤولين في تنظيم اليد السوداء) كانوا مشاركين في هذه المؤامرة، بسبب رغبتهم في إنهاء التدخل الصربي في البوسنة،[35] فقد سلمت الإمبراطورية النمساوية المجرية إلى مملكة صربيا سلسلة من عشرة مطالب قد رُفضت من أجل إثارة الحرب مع صربيا.[36] وعندما وافقت صربيا على ثمانية فقط من المطالب العشرة أعلنت الإمبراطورية النمساوية المجرية الحرب في 28 يوليو 1914.

لم تكن الإمبراطورية الروسية راغبة في السماح للإمبراطورية النمساوية المجرية أن تقضي على نفوذها في البلقان ودعمًا لمحميتها الصربية منذ فترة طويلة أعطت الأوامر بالتعبئة الجزئية لقواتها بعد يوم واحد في 29 يوليو.[14] وعبَّأت ألمانيا قواتها بعدها بيوم في 30 يوليو، وردت روسيا بإعلان التعبئة الكاملة لقواتها في نفس اليوم أيضًا.[37] فرضت ألمانيا إنذارًا على روسيا عن طريق سفيرها في برلين طالبةً منها تسريح قواتها التي قامت بتعبئتها في غضون 12 ساعة أو مواجهة الحرب.[37] ردت روسيا عليها من خلال تقديم تفاوض على شروط التسريح ولكن ألمانيا رفضت هذا التفاوض معلنة الحرب ضد روسيا في 1 أغسطس.[37]

كانت الخطة الحربية لألمانيا؛ خطة شليفن تعتمد على هجوم واسع النطاق على فرنسا للقضاء على التهديد في الغرب، قبل أن يتحول للشرق ضد روسيا. بالتزامن مع التعبئة العسكرية ضد روسيا أصدرت الحكومة الألمانية مطالب بأن تبقى فرنسا محايدة. قاومت الحكومة الفرنسية الضغط العسكري لتبدأ التعبئة العسكرية الفورية وأمرت قواتها على الانسحاب مسافة 10 كم (6 ميل) من الحدود لتجنب أي حادث. 2 أغسطس هاجمت ألمانيا لوكسمبورغ وبعدها بيوم في 3 أغسطس أعلنت الحرب على فرنسا.[37] في 4 أغسطس رفضت بلجيكا السماح للقوات الألمانية أن تعبر حدودها لتصل إلى فرنسا وقد أدَّى هذا الرفض إلى إعلان ألمانيا الحرب على بلجيكا أيضًا.[37][38][39] في نفس اليوم 4 أغسطس من عام 1914 أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا بعد «الرد غير المرضي» للإنذار البريطاني الموجه لألمانيا في أن تبقى بلجيكا محايدة.[40]

التقدم المحرز في الحرب

الارتباك بين القوى المركزية

عانت إستراتيجية القوى المركزية من سوء الفهم. كانت ألمانيا قد وعدت بدعم غزو الإمبراطورية النمساوية المجرية لصربيا، ولكن اختلفت التفسيرات عما يعنيه ذلك. فقد استُبدلت خطط نشر الجنود التي تم اختبارها مسبقًا في وقت مبكر في عام 1914. ولكن خطط النشر البديلة لم يسبق أن اختُبرت في مناورات عسكرية. لقد اعتقد قادة الإمبراطورية النمساوية المجرية أن ألمانيا قادرة على تغطية جناحها الشمالي ضد روسيا.[41]

كانت سبتمبر بروغرام (Septemberprogramm) خطة ممكنة ومحكمة، بسبب أنها كانت تحتوي على تفصيلٍ لأهداف ألمانيا في الحرب والشروط التي سعت ألمانيا لفرضها على دول الحلفاء. أُوجزت هذه الخطة من قبل مستشار الاتحاد الألماني تيوبالت فون بتمان هولفيغ في الأسابيع الأولى من الحرب حينما ظنت برلين أنها ستهزم فرنسا في غضون أيام، وفي 9 سبتمبر 1914 صاغها له سكرتيره الخاص كورت رايزلير ولكن بسبب سيطرة الدفاعات الفرنسية لم يتم اعتمادها مطلقًا.[42] ولم تُكْتَشَفُ هذه الخطة إلا بعد انتهاء الحرب بوقت طويل من قبل المؤرخ الألماني فريتز فيشر الذي خلَّص إلى أن دوافع ألمانيا لخوض الحرب في المقام الأول كانت بسبب أهداف توسعية.[43]

حملة صربيا

جنود صرب مع طائرة بلايريو XI في عام 1915.

في 12 أغسطس غزت النمسا أراضي صربيا وخاضت قتالًا مع الجيش الصربي في معركة سير ومعركة كولومبارا، وبعد أسبوعين تلقت القوات النمساوية خسائر فادحة في القتال وشهد أول انتصارات الحلفاء الرئيسيين في هذه الحرب وقطعت آمال القوات النمساوية المجرية من تحقيق نصر سريع، ونتيجة لذلك كان على النمسا أن تُبقي قواتها الكبيرة على الجبهة الصربية مضعفةً جهودها ضد روسيا.[44] بعد هزيمتها في غزو صربيا شنت القوات النمساوية المجرية هجومًا آخر على صربيا عبر نهر درينا يوم 7 سبتمبر، ومنها وقعت معركة درينا.[45]

هزيمة القوات النمساوية المجرية من قبل القوات الصربية بعد محاولتها الغزو يعد من الانتصارات الكبرى المفاجئة في القرن الماضي.[46]

كان في هذه الحملة الصربية أصغر جندي مشارك في الحرب العالمية الأولى ويدعى مومسيلو غافريك الذي وُلد في تربوسنيكا، فقد انضم لشعبة المدفعية رقم 6 من الجيش الصربي عندما كان عمره 8 سنوات بعد أن قتلت القوات النمساوية المجرية والديه، جدته وإخوته السبعة في أغسطس 1914.[47][48][49] وعندما أصبح عمره 10 سنوات تم ترقيته إلى رتبة عريف،[48][49] وفي عمر 11 سنة رُقِّي إلى رتبة رقيب لانس (Lance Sergeant).[49]

القوات الألمانية في بلجيكا وفرنسا

المستشفى البريطاني في الجبهة الغربية، الصورة بين عام 1914 و 1918

عند اندلاع الحرب العالمية الأولى، كان الجيش الألماني (يتألف من سبعة جيوش ميدانية) وقد وُضعت نسخة معدلة من خطة شليفن. وسارت هذه الجيوش الألمانية من خلال الدخول لأراضي بلجيكا المحايدة وصولًا للأراضي الفرنسية، قبل التحول جنوبًا لتطويق الجيش الفرنسي على الحدود الألمانية.[50] فمنذ أن أعلنت فرنسا أنها قد تتصرف بحرية كاملة في حال وقوع حرب بين ألمانيا وروسيا، فإنه كان على ألمانيا أن تتوقع إمكانية وقوع هجوم عليها من قبل فرنسا على جبهة واحدة وروسيا من الجهة الأخرى. ولتلبية مثل هذا السيناريو فقد ذكر في خطة شليفن أنه يجب على ألمانيا هزيمة فرنسا بسرعة (كما حصل في الحرب الفرنسية البروسية (1870–1871)) واقترح هذا لتكرار انتصار سريع في الغرب وأنه على ألمانيا أن لا تهاجم من خلال التضاريس الصعبة لإقليم الألزاس واللورين (التي كان لها حدود غربية مباشرة من نهر الراين)، بدلًا من ذلك فقد كانت الفكرة هي محاولة قطع الطرق المؤدية لباريس من بحر المانش أو أي مساعدة بريطانية للإستيلاء على باريس وبالتالي كسب الحرب، وبعد ذلك تُنقل الجيوش خلال الشرق لمواجهة روسيا. كان يُعتقد أن روسيا كانت في حاجة إلى فترة طويلة لتعبئة قواتها قبل أن تصبح مهددة من قبل السلطات المركزية.

جنود ألمان داخل عربة البضائع للسكك الحديدية في طريقهم للجبهة في عام 1914. في بداية الحرب اعتقد كلا الجانبين أن الصراع سيكون لمدة قصيرة

كانت الخطة الألمانية الوحيدة الموجودة في حال شنها أي حرب هو أن يسير الجيش الألماني عبر بلجيكا. لقد أرادت ألمانيا أن تكون بلجيكا مرافقة لها (وقد عُرض هذا على القيصر فيلهلم الثاني ولكن القيصر رفضها) حتى يستطيع الجيش الألماني غزو فرنسا. ولكن بلجيكا المحايدة رفضت هذا العرض لذا وبدلًا من أن يتم غزو فرنسا أصبح لابد للألمان غزو بلجيكا لكي يستمروا في خطتهم. أرادت فرنسا هي الأخرى وضع قواتها داخل الأراضي البلجيكية ولكن بلجيكا رفضت هذا العرض أيضًا منعًا من أن يكون هناك أي اقتتال في الأراضي البلجيكية. في النهاية وبعد أن غزت ألمانيا بلجيكا ووقعت أولى معارك الحرب العالمية الأولى وهي معركة لييج (4-16 أغسطس 1914)، حاولت الأخيرة الانضمام إلى القوات الفرنسية ولكن الجزء الكبير من القوات البلجيكية في أنتويرب أُجبرت على الإستسلام في ظل انعدام وجود أمل لأي مساعدة في 9 أكتوبر.[51] دعت الخطة الألمانية أن يتقدم الجيش للجانب الأيمن حتى يتجنب الجيوش الفرنسية (والتي تركزت على الحدود الفرنسية الألمانية، وترك الحدود البلجيكية دون أي اهتمام للقوات الفرنسية) ومن ثم التقدم نحو باريس. نجح الألمان في البداية ولاسيما في معركة الحدود (14–24 أغسطس). في 12 سبتمبر كانت فرنسا قد أوقفت التقدم الألماني بمساعدة من قوات المشاة البريطانية في معركة المارن الأولى (5–12 سبتمبر) شرق باريس، مما دفع الجيش الألماني للانسحاب إلى الخلف مسافة 50 كم (31 ميل). دلَّت الأيام الأخيرة لهذه المعركة على نهاية المناورات الحربية في الناحية الغربية.[50] هاجم الفرنسيون جنوب ألزاس وفي 20 أغسطس وقعت معركة ميلوز ولكن الانتصار فيها كان انتصارًا محدودًا.

بينما كانت ألمانيا منشغلة مع فرنسا انتهز الروس هذه الفرصة وأرسلوا جيشين في الشرق ودخلوا عمق الأراضي الألمانية في شرق بروسيا لتطويق القوات الألمانية وهذا قد فاجأ القادة الألمان الذين لم يتوقعوا أن يتقدم الروس بهذه السرعة. نُقل الجيش الميداني رقم 8 عن طريق السكك الحديدية في جميع أنحاء الإمبراطورية الألمانية بسرعة من دوره السابق لغزو فرنسا إلى شرق بروسيا. كان قائد هذا الجيش باول فون هيندنبورغ قد هزم الروس في عدد من المعارك من ضمن المعارك التي انتصر فيها معركة تاننبرغ (17 أغسطس – 2 سبتمبر) بعدما حاصر الألمان الروس فيها وانتصروا. إن فشل الغزو الروسي تسبب في جعل القوات الألمانية الجديدة تذهب نحو الشرق وهذا سمح لانتصار الحلفاء في معركة تكتيكية هي معركة المارن الأولى. لم يستطع دول المركز تحقيق انتصار سريع في فرنسا لذا أُجبروا على خوض حرب في الجبهتين. حارب الجيش الألماني بطريقة دفاعية داخل فرنسا ولكنه أصيب بعجز دائم أكثر بـ 230,000 مرة مما خسرته القوات الفرنسية والبريطانية. وتسببت مشاكل الاتصالات والقرارات المشكوك في نجاحها التي صُدرت من القيادة الألمانية فرصة الفوز المبكر في هذه الحرب.[52]

مسرح آسيا والهادئ

التجنيد العسكري في ملبورن 1914.

في 30 أغسطس 1914 احتلت نيوزيلندا ساموا الألمانية (حاليًا ساموا الغربية). في 11 سبتمبر نزلت البحرية الأسترالية وقوة المشاة العسكرية في جزيرة نيو بوميرن (حاليًا تسمى جزيرة نيو بريتين) التي كانت تشكل جزءًا من غينيا الجديدة الألمانية والتي كانت مستعمرة من قبل الألمان. في 28 أكتوبر أغرقت البارجة الألمانية SMS Emden الطرَّاد جيمشوغ الروسي (بالروسية: Zhemchug) -أي اللؤلؤة في اللغة العربية- في معركة بينانق. استولت اليابان على إحدى مستعمرات الألمان وهي ميكرونيسيا بعد حصار تسينغتاو. تزود الألمان بما يحتاجونه من الفحم في ميناء تشينغداو الواقع في شبه جزيرة شاندونغ. بينما رفضت فيينا سحب الطراد النمساوي المجري SMS Kaiserin Elisabeth من تشينغداو وأعلنت الإمبراطورية اليابانية الحرب ليس فقط على ألمانيا وحسب بل أيضًا على الإمبراطورية النمساوية المجرية. شاركت هذه السفينة في الدفاع عن تشينغداو إلى أن غرقت في نوفمبر 1914.[53] على مدى أشهر كانت قوات الحلفاء قد استولت على جميع الأراضي الألمانية في المحيط الهادئ عدا عدد قليل من المعاقل الألمانية في غينيا الجديدة قد بقيت تحت سلطة الألمان.[54][55]

الحملات الأفريقية

إحدى أول الاشتباكات في أفريقيا كانت بمشاركة القوات البريطانية والفرنسية والألمانية. في 6–7 أغسطس غزت القوات الفرنسية والبريطانية المحميتان الألمانيتان توغولاند والكاميرون الألمانية. في 10 أغسطس هاجمت القوات الموجودة في جنوب غرب أفريقيا الألماني جنوب أفريقيا، وقد استمر هذا القتال الشرس والمتقطع في عدد من الأوقات إلى نهاية الحرب. قوات الإستعمار الألمانية في شرق أفريقيا الألماني بقيادة الكولونيل بول فون ليتو فوربيك حاربت حرب العصابات خلال الحرب العالمية الأولى ولم تستسلم هذه القوات إلا بعد أسبوعين بسبب الهدنة التي تم الاتفاق عليها في أوروبا.[56]

الدعم الهندي للحلفاء

خلافًا للمخاوف البريطانية من قيام ثورة في الهند فقد كان لاندلاع الحرب الحرب العالمية تأثير غير مسبوق من ولاء وحسن النية تجاه بريطانيا من قبل الهندوس.[57][58] فقد حرص القادة السياسيون وعدد من رؤساء حزب المؤتمر الوطني الهندي على دعم بريطانيا في حربها. لأنهم اعتقدوا أن الدعم القوي لجهود الحرب من شأنه أن يخدم القضية الهندية. وفي الحقيقة أن جيش الهند البريطاني قد فاق الجيش البريطاني في العدد؛ كان عددهم 1,3 مليون جندي هندي وعمال خدموا في أوروبا، أفريقيا والشرق الأوسط، في حين أرسلت كلًا من الحكومة المركزية والولاية الهندية كميات كبيرة من الطعام والمال والذخيرة. عمومًا خدم 140,000 من الجنود على الجبهة الغربية وحوالي 700,000 في الشرق الأوسط. بلغ مجموع الخسائر من الجنود الهنود الذين قتلوا خلال الحرب العالمية الأولى 47,746 أما الجرحى فقد بلغ عددهم 65,126.[59] بسبب المعاناة الناجمة عن الحرب إضافًة إلى فشل الحكومة البريطانية في منح الحكم الذاتي للهند بعد انتهاء القتال قد ولَّد خيبة أمل للهنود ودفعهم ذلك إلى القيام بحركة استقلال الهند تحت قيادة المهاتما غاندي وآخرون.

الجبهة الغربية

بداية حرب الخنادق

Mud stained British soldiers at rest
فرقة مشاة ألستر الملكية في خندق الاتصالات، أول أيام معركة السوم من عام 1916.

شهدت الحرب مرحلتين عرفت الأولى بحرب الحركة والثانية بحرب الخنادق، وفي حرب الحركة امتازت التحركات العسكرية في خلال هذه الفترة بسرعة الحركة على كل الجبهات، وخلال حرب الخنادق اتَّخذت الحرب على الجبهتين الغربية والروسية خاصة طابع الثبات في المواقع وقامت الجيوش المتقابلة على الجبهات بحفر الخنادق وتحصينها وتجهيزها مستخدمة في مواجهاتها أسلحة جديدة مثل الدبابات والطائرات.

كانت التكتيكات العسكرية قد فشلت قبل الحرب العالمية الأولى في مواكبة التقدم والتطور التكنلوجي ولكن بعد اندلاع الحرب أصبح لتطور أنظمة الدفاع تأثير قوي، وكانت الأسلاك الشائكة ثمثل عقبة كبيرة في تقدم الجنود المشاة وأصبحت المدفعية أكثر فتكًا مما كانت عليه في عقد 1870 إضافًة إلى اقترانها بالرشاشات الذي جعل من عبور الأراضي المفتوحة في غاية الصعوبة.[60] فشل قادة كلا الجانبين في تطوير تكتيكات حربية في حرب الخنادق دون أن تكون هناك خسائر فادحة. ومع ذلك فقد بدأت التكنولوجيا اللازمة لإنتاج أسلحة هجومية جديدة منها الغازات السامة والدبابات.[61]

جندي فرنسي يقوم بالإستطلاع في أحد الخنادق على إقليم الراين، 16 يونيو 1917

بعد معركة المارن الأولى (5–12 سبتمبر 1914) سعت قوات الوفاق الثلاثي والقوات الألمانية بتطويق الآخر من خلال المناورات الحربية في الشمال وسُمِّيت هذه العمليات الحربية بالسباق نحو البحر. سرعان ما فشلت جهود الالتفاف عندما وجدتا بريطانيا وفرنسا نفسيهما تواجهان خندق من القوات الألمانية الراسخة من دوقية لورين إلى الساحل البلجيكي.[50] سعت بريطانيا وفرنسا للهجوم في حين اتخذت ألمانيا موقف الدفاع عن الأراضي المحتلة. وبناءً على ذلك فقد كانت الخنادق الألمانية المشيدة أفضل بكثير من خنادق أعدائها؛ فقد كانت خنادق الأنجلو الفرنسية مشيهَدة بشكل مؤقت قبل أن تتحطم من قبل قوات الدفاع الألمانية.[62] فالجيش الألماني قد استفاد من دراسة حرب البوير (1899-1902) والحرب الروسية اليابانية (1904-1905) حول وجود أهمية التحصينات الميدانية، لذا أنشأ الألمان خنادقهم في منتصف سبتمبر من عام 1914 حماية لجيوشهم في مدينة ريمس شمال فرنسا.[63]

وقعت معركة إيبر الأولى (19 أكتوبر – 22 نوفمبر 1914) بين القوات الألمانية وقوات الحلفاء في إيبر ببلجيكا وانتهت هذه المعركة بانتصار قوات الحلفاء، وقد تم الكشف عن انسحاب القوات الألمانية في 20 نوفمبر.[64]

منذ الشهور الأولى لبداية الحرب أدَّت الإتفاقيات الغير رسمية والغير معلنة بين الوحدات المتقابلة لوضع قيود على سفك الدماء. واعتمدت مثل هذه الإتفاقيات على عوامل متعددة، فلا تكون أي وحدة تدخل إلى أرض المعركة متيقنة من أنها ستطبق مثل هذا القيد. فقد كانت مواجهة وحدة خاصة من وحدات العدو أو أي وحدة تحت إمرة قائد عدواني أو وحدة خاضعة لمراقبة مشددة من سلطة عليا كفيلة بمنع هذه الهدن الجزئية من الحدوث. ومع ذلك وجد الجنود على كلا الجانبين من الأرض المُحايدة السبب والفرصة لعقد مثل هذا الحلف الهادئ مع العدو. فكل جندي كان يُدرك أن قصف خنادق الاتصالات التابعة للعدو وشبكة الطرق المجاورة، خصوصًا في المساء من الممكن أن يُعرقل وصول الغذاء لوحداته. وكان من المؤكد أن هذا الأمر يُثير ردود فعل انتقامية لعرقلة إمدادات الجانب الآخر. كما كان إطلاق النار على مواقع العدو في ساعات ما بعد الفجر يُعرِّض الجنود الذين يذهبون للمراحيض للخطر وبالتالي تجنب منع العدو من تلبية احتياجاته يُجبر أن يُظهر له الاعتبار نفسه.[65]

في بعض الأوقات فرضت ظروف المناخ القاسية والتضاريس الجغرافية أن يُغضَّ أحد الأطراف النظر عن العدو الغير محصَّن. فعندما تنهار بعض الخنادق تحت وطأة الأمطار والطين، كان الجنود على طرفي الأرض المحايدة يخرجون منها، ربما للجلوس في العراء فحسب، وربما لإصلاح الضرر تحت مرأى العدو.[66]

الإمبراطورية اليابانية

القوات اليابانية وهي تصل بالقرب من تسينغتاو

كانت اليابان الدولة الآسيوية الكبيرة التي شاركت في هذه الحرب. هناك دولة أخرى شاركت فيها هي سيام (تايلند) ولكنها لم تلعب إلا دورًا صغيرًا. وكانت اليابان تسعى إلى وراثة الدول الأوروبية في الشرق الأقصى، وحيث أن تحقيق هذا الهدف دفعة واحدة يعتبر من المستحيلات، سعت إلى انتهاز فرصة الأزمات الأوروبية للحصول على مكاسب في الشرق الأقصى.[67] في الأسبوع الأول من بدء الحرب وبسبب الحلف البريطاني الياباني الذي كان بينهما قالت اليابان أنها قد تدخل الحرب إذا حصلت على الجزر الواقعة تحت حكم ألمانيا في المحيط الهادئ.[68] في 4 أغسطس أصدرت بريطانيا أوامرها الرسمية لليابان بتدمير البحرية الإمبراطورية الألمانية في البحر المحيط بالصين. 14 أغسطس 1914 أرسلت اليابان بلاغ نهائي إلى حكومة الصين ولكن لم يحصلوا على رد منهم، بعد ذلك أعلنت اليابان الحرب على ألمانيا في 23 أغسطس.

جندي ياباني يتلقى الأوامر عن طريق الهاتف لإطلاق النار على تسينغتاو، 30 ديسمبر 1914

كانت السوق الصينية الكثيفة بالسكان محط أطماع اليابان، فضلًا عن تطلعها إلى استغلال مناجم الفحم والحديد التي عجز الصينيون عن استغلالها لهذا رأت الحكومة اليابانية أن استمرار الحلف البريطاني مع اليابان يفتح الطريق أمام استيلائها على المناطق التي كانت تسيطر عليها الإمبراطورية الألمانية في الصين في خليج كياوتشاو وشانتونغ بالذات. ولهذه الأسباب أعلنت اليابان الحرب على دولتي الوسط في 23 أغسطس 1914.[67] بعد أن وضعت اليابان يدها على ماكان لألمانيا من مناطق نفوذ في الصين تطلعت إلى التحكم في مقدرات الصين نفسها مستخدمًة في ذلك التهديد باستخدام القوة -وكانت اليابان متفوقة ودول أوروبا مشغولة عنها - والتهديد بإطلاق السياسيين اللاجئين إلى اليابان، وكان باستطاعة هؤلاء أن يثيروا القلاقل في الصين ضد حكم (يوان تشي كاي) الديكتاتوري. وقدمت اليابان في يناير 1915 مذكرة مطولة تفصيلية إلى حكومة الصين تطالب فيها بامتيازات سياسية واقتصادية وعسكرية تجعل الصين - بعد وقت ليس بالطويل - مجرد محمية يابانية. ووقفت حكومة الصين مُهيضة الجناح أمام اليابان رغم مذكرة الاحتجاج البريطاني على مغالاة اليابان في مطالبها تلك، ورغم مطالبة حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من اليابان تجنب تنفيذ المطالب التي تمس استقلال الصين مباشرة. ولهذا كانت الإتفاقيات التي توصلت إليها حكومتا اليابان والصين في 24 مايو 1915 يحفظ ماء وجه الصين من جهة ويعطي لليابان فرصًا واسعة لإستغلال الصين، واضطرت دول الوفاق إلى الموافقة على تلك الإتفاقيات اليابانية الصينية لانشغالها بميادين الحرب في أوروبا وفي الشرق الأوسط؛ بل لقد وعدت بريطانيا اليابان بأن تحصل الأخيرة على الجزر الواقعة تحت يد ألمانيا في المحيط الهادئ.[69]

الحرب عام 1915

إنزال الخيول من على ظهر سفينة في جاليبولي عام 1915.

في 22 أبريل 1915 وقعت معركة إيبر الثانية، كان الألمان قد انتهكوا اتفاقيتيْ لاهاي 1899 و1907 واستعملوا غاز الكلور للمرة الأولى في الجبهة الغربية. بعد ذلك أصبحت عدة أنواع من الغازات تستخدم من كلا الطرفين وأصبح الغاز هو السلاح المنتصر حتى غدا من أكثر الأسلحة الكيماوية رعبًا في الحرب العالمية الأولى.[70][71] في 15 سبتمبر 1916 استخدمت الدبابات لأول مرة في القتال من قبل البريطانيين في معركة فليرز كورسيليت هي جزء من هجوم معركة السوم الكبرى) وكان نتيجة ذلك الفوز الجزئي في المعركة وقد نمت فعّالية هذه الدبابات مع تقدم الحرب.

استطاع الألمان عام 1915 تحقيق مزيد من الانتصارات على الحلفاء، فألحقوا الهزيمة بالروس في معركة غورليس تارنو (2-10 مايو 1915)، كانت هذه المعركة هي الحاسمة على الجبهة الشرقية،[72] لأن الألمان استطاعوا احتلال بولندا ومعظم مدن لتوانيا، وحاولوا قطع خطوط الاتصال بين الجيوش الروسية وقواعدها للقضاء عليها، إلا أن الروس حققوا بعض الانتصارات الجزئية على الألمان ولكن انتصارهم الجزئي كلفهم 325000 أسير، الأمر الذي لم يتمكن بعده الجيش الروسي من استرداد قواه، وأدَّى النجاح الألماني على الروس إلى إخضاع البلقان، وعبرت القوات النمساوية والألمانية نهر الدانوب لقتال الصرب وألحقوا بهم هزيمة قاسية، واستطاع الألمان في ذلك العام أن يحققوا انتصارات رائعة على بعض الجبهات، في حين وقفت الجبهة الألمانية ثابتة أمام هجمات الجيشين الفرنسي والبريطاني رغم ظهور الانزعاج في الرأي العام الإنجليزي من نقص ذخائر الجيش البريطاني ومطالبته بتكوين وزارة ائتلافية وحدوث تغييرات في القيادة العسكرية الروسية.[73]

وفي 23 مايو 1915 أعلنت إيطاليا الحرب على الإمبراطورية النمساوية المجرية تنفيذًا لبنود اتفاقية لندن التي وعد من خلالها الحلفاء إيطاليا بالحصول على مكاسب حدودية في حال حققوا الانتصار على دول المحور.

الحرب عام 1916 واستمرار حرب الخنادق

جنود فرنسيون من الفوج السابع والثمانين، الفصيلة السادسة، في شمال فيردان، 1916.

لم يستطع كلا الجانبين توجيه ضربه حاسمة طوال سنتين، فخلال أعوام 1914-1916 عانت الإمبراطورية البريطانية وفرنسا في فقدان العديد من الضحايا بسبب حربها مع ألمانيا والمواقف الإستراتيجية والتكتيكية التي اختارها كلا الجانبين. استراتيجيًا شنت القوات الألمانية هجومًا كبيرًا واحدًا في حين أن الحلفاء كانت لديهم عدة محاولات لاختراق الخطوط الألمانية. في فبراير 1916 هاجم الألمان المواقع الدفاعية الفرنسية في معركة فردان التي استمرت إلى شهر ديسمبر من نفس العام، وشهدت المعركة المكاسب الأولى لألمانيا قبل أن تتغير أحداث المعركة بسبب الهجوم المضاد من القوات الفرنسية. كانت خسائر الفرنسيين والألمان قد قدِّرت من 700,000 [74] إلى 975,000 [75] من عدد الضحايا للجانبين. وأصبحت فردان رمزًا للعزم الفرنسي والتضحية بالنفس.[76]

قوات مشاة الجيش الروسي

تميز ذلك العام بمعركتين كبيرتين نشبتا على أرض فرنسا وهما معركتي فردان والسوم، تكبد فيهما الألمان خسائر كبيرة. كانت معركة السوم (1 يوليو – 18 نوفمبر 1916) [77] رد فعل هجومي من قبل القوات البريطانية الفرنسية وقد شهد افتتاح هذا الهجوم الجيش البريطاني، وتعتبر هذه المعركة من أكثر معارك الأيام دموية في تاريخ الحرب العالمية الأولى، لأنه في اليوم الأول من معركة السوم قدِّر عدد الضحايا 57,470 ضحية من بينهم 19,240 قتيل. لقد كلَّف الهجوم الجيش البريطاني بأن يخسر عددًا كبيرًا من جنوده قِّدر عددهم 420,000 قتيل بينما بلغ قدِّر عدد خسائر الجيش الفرنسي 200,000 قتيل وبلغت خسائر الألمان بالعدد الأكبر من القتلى في صفوفها وهو 500,000 قتيل.[78]

استمرت معركة فردان طوال 1916،[79] جنبًا إلى جنب مع معركة السوم، وكثر إراقة دماء عدد كبير من الضحايا مما أوصل الجيش الفرنسي إلى حافة الانهيار بسبب استنفاذ قواته من الجنود. وجاءت محاولات عقيمة في شن هجوم مباشر بسعر مرتفع لكل من البريطانيين والفرنسيين، نتيجة لذلك انتشر التمرد في الجيوش الفرنسية بعد الهزيمة في معركة نيفل (16أبريل – 9 مايو 1917).[80]

الحرب عام 1917

حدثت معركة أراس المتزامنة مع هجوم نيفيل (9 أبريل – 16 مايو 1917) بين قوات الحلفاء وقوات الإمبراطورية الألمانية بالقرب من مدينة أراس الفرنسية.[81][82] وفي تلك المعركة استولى الفيلق الكندي على فيمي ريدج وهذا كان له أثر كبير في كندا.[83][84]

كان الهجوم الكبير في تلك الفترة أتى من قبل القوات البريطانية وبمساعدة القوات الفرنسية في معركة باشنديل (31 يوليو – 10 نوفمبر 1917) وكان لهذا الهجوم أن يرفع آمال قوات الحلفاء بالنصر لولا أن الأمطار التي سقطت في شهر يوليو قد حولت أرض المعركة إلى مستنقع وفي أكتوبر عادت الأمطار بكثافة وتسببت بالمزيد من الوحل والطين الذي أنهك الجنود في التقدم.[85] كان الألمان متحصينين داخل خنادق خرسانية احتوت على مدافع رشاشة وهذه التحصينات أصبحت بمثابة قاعدة لقتل المهاجمين، كانت تشبه القلاع الصغيرة التي تحمي الجنود من المطر. لقد وصف أحد الضباط البريطانيين تفصيلًا لهجمات القصف المدفعي الآتي من الخنادق الألمانية؛ «لم تكن هناك فرصة لعبور قوات المشاة وشاهدتهم تدريجيًا يحاولون شق طريقهم قُدمًا، ويكافحون ألسنة اللهب خلال هذا المستنقع المخيف للوصول إلى الألمان» وكانوا غارقين بالطين حتى رُكبهم (في بعض الأحيان حتى أكتافهم ولم يتم انقاذهم سوى بعد خمسة أيام) وعند وصولهم لمنتصف الطريق نحو خطوط القوات الألمانية «فكان من شبه المستحيل لهم التحرك للأمام أو الخلف» لأن الرشاشات الألمانية كانت لهم بالمرصاد فحصدت أرواح العديد من جنود المشاة المحاصرين بسهولة.[86]

Files of soldiers with rifles slung follow close behind a tank, there is a dead body in the foreground
تقدم القوات الكندية مع دبابة مارك-1 البريطانية في معركة فيمي ريدج شمال فرنسا 26 سبتمبر 1916

الحرب البحرية

مدرعات أسطول أعالي البحار، 1917.

خدم مُعظم البحارة على متن السفينة الحربية السطحية خلال الجزء الأول من الحرب. وخطط قادة البحرية فور بدء الحرب لمعركة مُحيطية كُبرى بين الأسطول الإنجليزي الضخم وأسطول أعالي البحار الألماني. شعر الأميرالات الإنجليز بالقلق من أسلحة جديدة كالألغام والغواصات من الممكن أن تُعيق حركة أساطيلهم في حال تحركت بعدوانية شديدة، ولم يكن الأميرالات الألمان بمجموعتهم الأصغر من السفن الحربية الرئيسية كالبوارج والطرَّأدت بأقل حذر، إذ ترددوا في تحدي القوات البريطانية المتفوقة. وقد ناورت وحدات الأسطول البحري بما فيها السُفن الرئيسية الكبرى وفي بعض الأحيان ناوشت في بحر الشمال. غير أن التجربة الأكثر شيوعًا بالنسبة إلى البحَّار العادي كانت تتسم بالملل والضجر. وفي بعض الأحيان أقحم البحارة أنفسهم في شجارات في الشوارع مع المدنيين حينما كانوا يوبخونهم ساخرين بسبب عجزهم عن جرِّ الألمان للقتال.[87]

لقد كسرت المواجهات العرضية هذا الضجر، إن الشعور بالحذر من قبل قادة الأسطولين جعل قيام أحد البوارج بإطلاق النار على السفن الأخرى مشهدًا نادر الحدوث. وقد تقابلت مرارًا سفن حربية ذات أحجام وقوى غير متكافئة في معارك مع سفن أصغر حجمًا وقوتها المدفعية أقلُّ مميتة.[88]

قبل العام 1914 لم يكن قادة البحرية متأكدين من مدى فعالية السلاح الجديد وذلك لأن الغواصات لم تكن قد استُعملت في القتال من قبل. واعتقدت الغالبية العُظمى أن مثل هذه المراكب المعدة للإستخدام تحت الماء يمكن أن تخدم في أفضل حالاتها كقوارب استطلاع لدعم السفن الكبرى الرئيسية. ومع ذلك فقد بدأت الغواصات بمهاجمة سُفن الملاحة التجارية منذ الأيام الأولى للحرب. كانت الغواصة النموذجية خلال الحرب العالمية الأولى يبلغ طولها زهاء مائتي قدم، وتحمل من خمسة إلى عشرة طوربيدات، وطاقمًا مكونًا من ثلاثين جندي، وكانت تُدفع إلى السطح بواسطة محركي ديزل يعيدان شحن المحركين الإلكترونيين اللذين يشغلان الغواصة تحت الماء. ولأن المحركات الإلكترونية تعمل لفترات قصيرة، لم يكن بمقدور الغواصات البقاء طويلًا تحت الماء. فكانت القوارب تجوب فوق سطح الماء وغالبًا ماتنفِّذ هجماتها هناك. وعندما تصعد الغواصة إلى السطح تُطلق النار من واحد أو اثنين من المدافع المثبتة على سطحها،[89] مما يمكنها من إغراق السفن الأخرى دون أن تستنفذ مخزونها من الطوربيدات.[90]

في بداية الحرب، كان للإمبراطورية الألمانية طرادات منتشرة في جميع أنحاء العالم واستخدمت بعضها لمهاجمة السفن التجارية للحلفاء. تعقبت البحرية الملكية البريطانية السفن الألمانية. فعلى سبيل المثال فقد كان الطراد الألماني SMS Emden جزءًا من الأسطول البحري المتمركز بشرق آسيا في تشينغداو قد دمَّر وأوقف 15 من السفن التجارية التابعة للحلفاء، كذلك إغراقه للطراد الروسي والمدمرة الفرنسية. تألف أسطول شرق آسيا الألماني من طرادات مدرعة منها SMS Scharnhorst، SMS Gneisenau، طرَّاد صغير SMS Nürnberg وSMS Leipzig، إضافًة إلى سفينتي نقل لم يكن لديها الأوامر للمهاجمة.

غرق الأسطول الألماني الصغير مع إثنتان من الطرادات المدرعة في معركة كورونل. في 1 ديسمبر 1914 كاد بقية الأسطول الألماني أن يدمر في معركة جزر فوكلاند مع بقاء دريسدن وعدد من السفن الاحتياطية فقط، ولكن في معركة ماس تييرا دمرت تمامًا أو تم القبض عليها.[91] في تلك المعركة قُتل ثمانية جنود وأصيب 29 جندي وتمكن معظم طاقم السفن الهرب.[92]

بعد فترة وجيزة من اندلاع الأعمال العدائية فرض البريطانيون حصاراً بحريًا على ألمانيا فور انطلاق الحرب العالمية الأولى، حيث قامت البحرية الملكية بإغلاق مداخل كل من بحر الشمال وبحر المانش، بالإضافة إلى وضع الألغام في بحر الشمال،[93] مما منع البحرية الإمبراطورية الألمانية من الوصول إلى المحيط الأطلسي، كما منع السفن التجارية المحايدة من التوجه إلى أو من ألمانيا. استمر هذا الحصار ثمانية أشهر بعد انتهاء الحرب بهدف إجبار ألمانيا على توقيع معاهدة فرساي.[94] يذكر أن ذلك الحصار انتهك القانون الدولي للعديد من الإتفاقيات الدولية التي تم الإتفاق عليها في القرنين الماضيين.[95] بما أن الاستجابة لتكتيك الألغام كانت قليلة توقع الألمان نفس الاستجابة في حرب الغواصات التي بدأها.[96] كانت الهجمات التي شنتها الغواصات الألمانية على السفن التجارية أكثر التهديدات التي واجهتها البحرية الملكية خطورةً. في بداية الحرب، كانت هذه الحملات الألمانية مقيدةً بقواعد الحرب البحرية التي تمنع ضرب السفن التجارية قبل تحذيرها وإخلائها، لكن الألمان تخلوا عن تلك القيود عام 1915 وبدؤوا بإغراق السفن التجارية عشوائياً، قبل أن يعودوا مرةً أخرى للالتزام بقواعد الاشتباك بهدف استرضاء الرأي المحايد. أثار استئناف حرب الغواصات المفتوحة عام 1917 بهدف تجويع بريطانيا وحلفائها احتمالية حملهم على الخضوع، خصوصاً من أن رد فعل البحرية لهذا الأسلوب الجديد في الحرب لم يكن كافياً بعد رفضها لتبنّي «نظام القوافل» وترافقها المدمرة طوال رحلة السفر البحرية، مع أن هذا النظام أثبت فاعليته في حماية السفن. دخل هذا النظام حيّز التطبيق بعد ذلك وساهم بالحد من الخسائر كثيرًا حتى أصبح تهديد الغواصات الألمانية تحت السيطرة.[97]

غرق السفينة الألمانية MS Blücher في معركة دوغر البحرية، 25 يناير 1915

في 24 يانير من عام 1915 وقعت معركة دوغر بين الأسطول الألماني والأسطول البريطاني في بحر الشمال، كانت نتيجها غرق السفينة الألمانية SMS Blücher، وبينما كانت تغرق توجهت السفينة الحربية البريطانية نحوها في محاولة لإنقاذ الناجين من الماء، ولكن المنطاد الألماني زبلين قد ظن أن السفينة الغارقة هي إحدى السُفن البريطانية لذا قام بإطلاق القذائف على المدمرة الغارقة.[98] اختلفت أعداد الإصابات؛ فقيل أن 747 من الجنود القتلى انتُشلوا من الماء.[99] بينما قالت المصادر الألمانية الرسمية أن 792 رجلًا قد مات عندما غرقت السفينة الحربية.[100] وذكرت الوثائق البريطانية الرسمية أن 234 رجلًا على الأقل قد نجا من أصل طاقم مكون من 1,200 رجل.[101]

في أبريل 1915 كتب البحَّار الألماني ريتشارد سميث الذي خدم على متن بارجة حربية في أسطول أعالي البحار في يومياته قائلًا: «لم أعد أهتم إذا ماشرعنا في القتال أم لا... الواحد منَّا بإمكانه التعود على أي شيء لكن من الشاق جدًا أن تبقى مُنتظرًا طوال الوقت مُدركًا أن قوتنا الهائلة تُهدر».[102]

كانت معركة جوتلاند (31 مايو 1916) من أكبر المعارك البحرية في الحرب العالمية الأولى، وقعت في بحر الشمال بين الأسطول الألماني والإنجليزي. لقد غرقت ثلاثة طردات مدرعة من الأسطول الإنجليزي بعد تلقيها ضربة مباشرة بالقذائف المدفعية في مخازن ذخيرتها في السفن وتسببت في نسف السفن وطاقمها.[103] كانت معركة جوتلاند هي الالتحام الكبير الذي طال انتظارة بين الأساطيل العظيمة، حتى تلك اللحظة لم يكن أي من البحَّارة قد واجه النوع الممتد من القصف الذي وجهه البريطانيون نجو الجنود الألمان في الأسابيع القليلة الأخيرة التي سبقت معركة السوم.[88]

الغواصة الألمانية U-155 بالقرب من جسر البرج بلندن بعد هدنة 1918.

حاولت غواصات U-boat الألمانية قطع خطوط الإمداد بين أمريكا الشمالية وبريطانيا.[104] كانت طبيعة حرب الغواصات أن تهجم دون سابق إنذار وهذا يعطي للقوات الأخرى أي أمل في النجاة حال الهجوم المفاجئ.[104][105] شنت الولايات المتحدة احتجاجًا على ألمانيا بسبب الأزمة التي كانت لديها مع المكسيك[106] وإغراق عدد من السفن الأمريكية الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة إلى الدخول في الحرب إلى جانب دول الوفاق. بعد غرق سفينة ركاب لوسيتانيا وعدت ألمانيا أن لاتقوم باستهداف سفن الركاب، وقامت بريطانيا بتسليح سفنها التجارية.[107] في بداية عام 1917 تبنت ألمانيا سياسة حرب الغواصات المفتوحة بعد أن أدركوا دخول الولايات المتحدة للحرب.[104][108] سعت ألمانيا لخنق الممرات البحرية للحلفاء قبل أن تقوم الولايات المتحدة بنقل جيشها الكبير للخارج من أجل الحرب.[104]

أبطأت القوافل تدفق الإمدادات بسبب اضطرار السفن الانتظار للتجمع معًا قبل المسير على نظام القوافل وكان الحل لهذا البطء في وضع برنامج مكثف لبناء سفن شحن جديدة. كانت ناقلات الجنود أسرع من الغواصات ولم تحتج للسفر على شكل قوافل في الشمال الأطلسي.[109]

أغرقت غواصات U-boat أكثر من 5,000 سفينة من سفن الحلفاء وكانت هذه الخسائر هي مايقابل خسارة 199 غواصة.[110] بدأ استخدام حاملات الطائرات لأول مرة في الحرب العالمية الأولى. في يوليو من عام 1918 كانت HMS Furious حاملة لطائرات Sopwith Camels في الغارة الناجحة ضد قاعدة مناطيد زبلين في تونديرن وكذلك أُغير على منطاد المراقبة الذي كان يستخدم ككاشف للغواصات المضادة.[111]

من ناحية أخرى أدى هذا الحصار البحري بجعل ألمانيا تلجأ لبديل عن المواد التي كانت تحتاج استيرادها من الخارج، فاستخدموا المطاط الصناعي والمواد الكيميائية والبترول التركيبي والحرير الصناعي. أدَّت كل ذلك إلى خدمة اقتصاد ألمانيا خلال الحرب وبعد الحرب وهذا ما أعان ألمانيا على التخفيف عليها بعد هزيمتها.[112]

الإصابات في المعارك البحرية

هيندينبورغ، الإمبراطور فيلهلم الثاني ولوندورف، 1917

إذا ماغرقت سفينة خصوصًا في الليل أو في خضم معركة حامية الوطيس، فإن مُعظم الطاقم كان يُحكم عليهم بالهلاك وكانت فرصة إنقاذه من قِبل سفينة شقيقة أو مُعادية ضئيلة. لقد كان الخطر عظيمًا فالسفينة التي لم تُصب بأذى كان لها مهمات أُخرى لتقوم بها. وهكذا قضى البحَّارة في عرض البحر، فإما أن تمتصهم مراوح السفن العابرة أو يُقتلوا بالقذائف المرتطمة بالمياه في الجوار، في حين اختنق آخرون حتى الموت جراء النفط المتسرب في البحر، أو تجمدوا في المياه الباردة بشكل دائم أو ببساطة غرقوا. وربما يتلقى البحَّار المُصاب رعاية طبيَّة كافية، ولكنه ليس كمثل جندي يتم إخلاؤه إلى المؤخرة، كان يبقى في دائرة الخطر مادامت سفينته تتعرض للهجوم.[113]

كان للموت والإصابة في معركة بحرية مظاهر مروعة غير اعتيادية، فقد كان البحَّارة يُحجزون في مساحة صغيرة لذا فإن آثار القنبلة المنفجرة يمكن أن تكون مروعة. ترك ضابط ألماني كان تحت القصف في بحر الشمال في يناير 1915 سجلًا عن المذبحة قال فيها:

الحرب العالمية الأولى تحوَّلت كل التجهيزات المفكوكة أو غير المربوطة بإحكام إلى أدوات متحركة للتدمير، تدفق الدم في كل مكان، في حين برزت الأبواب للخارج مثل أطباق الصفيح، وخلال كل هذا دارت أجساد الجنود كوريقات الأشجار الميتة في ليلة شتوية عاصفة لتُسحق حتى الموت في الجدران الحديدية وكان الجنود يُكنسون على متن السفينة كما يُكنس الذباب عن مفرش المائدة.[113]

الحرب العالمية الأولى

كانت البوارج أكبر السفن في عرض البحر، وكانت مدَّرعة بصورة كافية لتحمّل حتى أنواع القصف، غير أن الجنود في الأقسام المختلفة من السفينة كأبراج الإطلاق مثلًا، كانوا عُرضة لنيران العدو. ففي معركة جوتلاند قصفت إحدى بطاريات مدفعية الميمنة في البارجة مالايا ثم تلا ذلك حريق حوَّل أجساد جنود المدفعية إلى رماد. كانت النتيجة كمات تذكرها أحد الضباط:

الحرب العالمية الأولى الرائحة المنبعثة من الأجساد المتفحمة، والتي بقيت في السفينة لعدة أسابيع، متسببة للجميع بشعور الغثيان طوال الوقت.[114] الحرب العالمية الأولى

واستطرد قائلًا:

الحرب العالمية الأولى عرَّض الضرر الذي لحق بالطوابق السفلية غرفة عمال المحرِّك لمصير مروع، فقد شوى البخار المتسرِّب أجساد العمال؛ في حين واصلت الآلات المدمرة الدوران مشوِّهة أجساد أفراد الطاقم.[114] الحرب العالمية الأولى

الحرب في البلقان

قوات نمساوية مجرية تعدم صربيين أُلقي القبض عليهم في عام 1917. خسرت صربيا مايقارب 850,000 شخص خلال الحرب، وهذا العدد هو ربع سكان مملكة صربيا.[115]

بعد مواجهة روسيا لم تستطع القوات النمساوية سوى استخدام ثلثي قواتها للهجوم على صربيا. وقع هجوم مضاد صربي في معركة كولومبارا وانتصر فيها الصرب انتصارًا كبيرًا وتمكنوا من طرد العدو من بلادهم مع نهاية عام 1914. في الأشهر العشرة الأولى من عام 1915 استخدمت القوات النمساوية المجرية معظم قواتها الاحتياطية في قتالها مع إيطاليا. استطاع الدبلوماسين الألمان والنمساويين المجرين من اقناع بلغاريا على القيام بانقلاب ضد صربيا. بعد ذلك بدأت محافظات النمسا-المجر مثل سلوفينيا، كرواتيا والبوسنة بتقديم قواتها لاجتياح صربيا وفي نفس الوقت قتالها مع روسيا وإيطاليا، بينما تحالف الجبل الأسود مع مملكة صربيا في تلك الحرب.[116]

نقل اللاجئين من صربيا في لايبنيتز، شتايرمارك عام 1915/1914.

مضى أكثر من شهر بقليل منذ أن تم غزو صربيا وأصبحت قوة دول المركز أكثر من ذي قبل بعدما انضمت إليها بلغاريا وأرسلت 600,000 من جنودها. كان الجيش الصربي يقاتل في جبهتين مع احتمالية أن يُهزم فيها تراجع إلى شمال ألبانيا. عانى الصرب من الهزيمة في هجوم كوسوفو. في 6–7 يناير 1916 قاتل الصرب القوات النمساوية المجرية في معركة موجكوفاك وبعدما شعرت القوات الصربية بعدم جدوى القتال تراجعوا فقام جيش مملكة الجبل الأسود بالمساعدة وعمل كتغطية له وكانت النتيجة فوز قوات الجبل الأسود، إضافة للفوز فقد أعطى هذا الصرب المزيد من الوقت للتراجع دون أن يكون هناك المزيد من الخسائر. ولكن في النهاية غزا النمساويين الجبل الأسود وتم إجلاء الجنود الصرب الباقين على قيد الحياة عن طريق السفن إلى اليونان.[117] بعد الاحتلال قُسمت مملكة صربيا بين الإمبراطورية النمساوية المجرية وبلغاريا.

في أواخر عام 1915 وصلت القوات الفرنسية البريطانية سلانيك في اليونان لتقديم المساعدة وللضغط على الحكومة لإعلان الحرب ضد دول المركز، ولكن ملك اليونان قسطنطين الأول رفض هذا المقترح المقدم من رئيس وزرائه إلفثيريوس فينيزيلوس قبل وصول قوة التدخل السريع من الحلفاء.[118]

انضمت بلغاريا إلى دول المركز وغزوا صربيا، وهو الحدث الذي أدَّى إلى انهيار صربيا نهائيًا. ظلت اليونان محايدة، وأيّد فينيزيلوس التحالف مع الوفاق الثلاثي، وهو مؤمن بأنه الخيار الوحيد لليونان، نظرّا لسيطرة البحرية البريطانية والفرنسية على البحر المتوسط. وعلى النقيض، كان الملك قسطنطين يفضل دول المركز، ويريد أن تظل اليونان محايدة،[119] متأثرًا باعتقاده في التفوق العسكري لألمانيا، ولأن زوجته الملكة صوفيا ألمانية، كما أن حاشيته موالية لألمانيا. لذا سعى لضمان الحياد، وبذلك يضمن رضا ألمانيا والنمسا.[120]

كانت جبهة مقدونيا راكدة مما دعى القوات الصربية والفرنسية القيام بالتحرك واستعادة مناطق محدودة من مقدونيا عن طريق الإستيلاء على بيتولا في 19 نوفمبر 1916 متبعًا بعدها هجوم موناستير وهذا الإستيلاء قد جلب الاستقرار للجبهة.

جنود بلغاريون في أحد الخنادق يستعدون لإطلاق النار ضد طائرة قادمة، 1914-1918

انفصلت القوات الصربية والفرنسية في سبتمبر عام 1918 بعدما سحبت القوات النمساوية المجرية والألمانية معظم قواتها. عانى البلغاريون هزيمة واحدة في معركة دوبرو بول، استسلمت فيها بلغاريا بعد أسبوعين في 29 سبتمبر 1918.[121] استجابت القيادة العليا الألمانية للقوات المرسلة للسيطرة على خطوط القتال ولكن تلك القوات كانت أضعف بكثير من أن تعيد تأسيس الجبهة إلى ماكانت عليه.[122]

اختفاء الجبهة المقدونية يعني أن الطريق إلى بودابست وفيينا سيكون مفتوحًا لعبور قوات الحلفاء. وقد استنتج هيندينبيرغ وودندورف أن الاستراتيجية والعمليات المتوازنة قد تحولت مباشرة لتكون ضد دول المركز.[123]

الدولة العثمانية

انضمت الدولة العثمانية إلى دول المركز في هذه الحرب، وقبل أن تنضم كان هناك اتفاق سري بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية عرف باسم الحلف العثماني الألماني.[124] قامت بعد انضمامها بقصف أراضي القوقاز الروسية وشبكة الطرق البريطانية في الهند عن طريق استخدامها لقناة السويس.

الأرمن كانوا أرثوذكس وروسيا القيصريَّة هي حامية الأرثوذكس العُثمانيين لذا استطاعت أن تستخدم هذا لمصالحها. كان من الأمور الملحة التي واجهت الإتحاديين هو نقل سكان المناطق الأرمينية في ولايات الشرق ويكيلكيا والأناضول الغربية إلى المناطق الداخلية في بلاد الشام وبلاد الرافدين، وذلك بهدف تأمين حياة السكان المدنيين وحماية القوات المسلحة من خيانة محتملة من جانب العناصر الموالية لروسيا، يُذكر أنه مع نشوب الحرب العالمية الأولى تطلعت العديد من الشعوب التي كانت خاضعة لسيطرة الدولة العثمانية عليها في نيل الاستقلال وتشكيل بلد قومي لها وكان الأرمن من ضمن هذه الشعوب التي كان لها تطلعات بإنشاء وطن قومي.[125] في المناطق التي تعرضت للاحتلال الروسي، ولقد اشتركت العصابات الأرمنية مع القوات الروسية في اضطهاد السكان المسلمين وقتلهم بهدف إجبارهم على الهرب من الأناضول الشرقية وربط هذه الولايات بروسيا. وحصل في ولاية فان أن قتلت العصابات الأرمنية جميع سكانها المسلمين في 20 أبريل إذ بقتل خمسة آلاف من أهالي راوندوز وخانقين والمناطق المجاورة لهما. نتيجة لذلك تعرض المرحَّلون لعمليات تعذيب وقتل في الوقت الذي كانت تجري فيه حرب شوارع مع عصابات الأرمن المسلحة وتعقب فلولهم.[126]

الخنادق العثمانية خلال حصار الكوت 1916

تعرض الأرمن في عهد الدولة العثمانية إلى عدة مجازر لعلَّ أهمها المجازر الحميدية ومجزرة أضنة ومذابح الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى حيث راح ضحيتها ما بين 500 ألف وثلاثة ملايين أرمني.[127]

يوم 24 نيسان عام 1915 تم اعتقال أكثر من 250 من أعيان الأرمن في إسطنبول.[128][129] وبعد ذلك، طرد الجيش العثماني الأرمن من ديارهم، وأجبرهم على المسير لمئات الأميال إلى الصحراء من ما هو الآن سوريا، وتم حرمانهم من الغذاء والماء، المجازر كانت عشوائية وتم قتل العديد بغض النظر عن العمر أو الجنس، وتم اغتصاب والاعتداء الجنسي على العديد من النساء الأرمنيات.[130] اليوم أغلبية مجتمعات الشتات الأرمني نتيجة الإبادة الجماعية. ومن المعترف به على نطاق واسع أن مذابح الأرمن تعتبر من جرائم الإبادة الجماعية الأولى في التاريخ الحديث.[131][132]:177[133]

صورة تعود لأوائل القرن العشرين خلال مذابح الأرمن تظهر مجموعة من الأرمن القتلى

قامت الدولة العثمانية في قتل متعمد ومنهجي للسكان الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الأولى،[134] وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل القسري والتي كانت عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين. يُقدّر الباحثين أن أعداد الضحايا الأرمن تتراوح ما بين مليون و1.5 مليون نسمة.[135][136][137][138][139] وقد تعرضت مجموعات عرقيًة مسيحية أخرى تم مهاجمتها وقتلها من قبل قوات نظاميّة عثمانية خلال هذه الفترة كالسريان والكلدان والآشوريين واليونانيين وغيرهم، يرى عدد من الباحثين أن هذه الأحداث، تعتبر جزء من نفس سياسية الإبادة التي أنتهجتها الدولة العثمانية ضد الطوائف المسيحية.[140][141][142] في حين أنّ تركيا الحديثة تنفي وجود مذابح ومجازر في حق الأرمن، تؤكد الأمم المتحدة؛[143] ومعظم علماء الإبادة الجماعية والمؤرخين بحصول الإبادة الجماعية بحق الأرمن.[144][145][146][147][148]

فتحت القوات الفرنسية والبريطانية جبهاتها في ما وراء البحار في شبه جزيرة جاليبولي التركية ووقعت معركة جاليبولي (1915) إضافًة إلى حملة بلاد الرافدين. نجحت قوات الجيش العثماني في صد الجيوش البريطانية والفرنسية فيلق الجيش الأسترالي والنيوزيلندي في جاليبولي. في بلاد الرافدين وبعد كارثة حصار الكوت (1915–1916) استولت القوات البريطانية على بغداد في شهر مارس 1917. ساعد رجال القبائل العربية والآشورية المحلية الجيش البريطاني في بلاد الرافدين بينما استخدمت القوات العثمانية القبائل الكردية والتركمانية المحلية.

Foreground, a battery of 16 heavy guns. Background, conical tents and support vehicles.
المدفعية البريطانية على جبل المشارف في معركة القدس، 1917.

وقعت حملة سيناء وفلسطين في الناحية الغربية. فشل العثمانيون في الهجوم على قناة السويس في عامي 1915 و1916؛ (كان يهدف العثمانيون لقطع طريق إمدادات الحلفاء المار عبر قناة السويس في مصر وشرعوا بغزو سيناء التابعة للمملكة المصرية التي كانت آنذاك محمية بريطانية ولها أهميتها الحيوية للبريطانيين التي كانت تقلل زمن الإبحار من الهند، نيوزيلندا وأستراليا إلى أوروبا)[149]، لقد انهزمت القوات المجتمعة من الدولة العثمانية والإمبراطورية الألمانية في معركة رمانة (3-5 أغسطس 1916) وفوز كتيبة المشاة البريطانية رقم 52 وكتيبة فرسان الجيش الأسترالي والنيوزيلندي. بعد هذا الانتصار تقدمت قوة التجريدة المصرية للإمبراطورية البريطانية إلى سيناء دافعًة الجيش العثماني إلى معركة مغضبة (23 ديسمبر 1916) ومعركة رفح (9 يناير 1917) على الحدود بين سيناء المصرية وفلسطين العثمانية.[150]

حصلت روسيا على أفضل الأراضي في القوقاز. كان أنور باشا القائد الأعلى للقوات المسلحة العثمانية طموحًا ويحلم بإعادة احتلال آسيا الوسطى والمناطق التي خسرتها الدولة العثمانية أمام روسيا ولكنه كان قائدًا فقيرًا أمام تحقيق هذا الحلم.[151] في ديسمبر 1914 شن أنور باشا يقيادة الجيش العثماني الثالث هجومًا ضد الروس في القوقاز وكان معه 118,660 جندي.[152][153] وبسبب إصراره هجوم الجبهة الروسية الجبلية في فصل الشتاء خسر 85% من قواته في معركة ساريقاميش.[154] فتقلصت أعداد الجيش الثالث إلى 20,000 جندي مع خسارته لجميع مدافعه ومعدَّاته الثقيلة.[152][155]

خندق القوات الروسية في معركة ساريقاميش بمحافظة كارس، الإمبراطورية الروسية بين عامي 1914–1915.
بطاقة عيد الميلاد من قوة مشاة بلاد الرافدين البريطانية مرسلة من البصرة، 1917

في ديسمبر 1914 وبدعم من الألمان غزت الدولة العثمانية بلاد فارس (إيران في الوقت الحاضر) حتى تقطع الطرق لدخول القوات البريطانية والروسية لخزانات النفط الموجودة بالقرب من بحر قزوين.[156] كانت بلاد فارس محايدة ظاهريًا ولطالما كانت تحت النفوذ البريطاني والروسي. ساعدت قوات الأكراد والأذربيجانية العثمانيون والألمان جنبًا إلى جنب مع عدد كبير من القبائل الإيرانية الرئيسية مثل: قشقاي، لوري، الخاميسيون والتنغستانيون بينما دعم الآشوريون القوات البريطانية والروسية. دامت حملة فارس إلى 1918 انتهت بفشل العثمانيين وحلفائهم، انسحب الروس من الحرب في عام 1917 تاركين القتال للقوات الأرمينية والآشورية التي ألحقت سلسلة من الهزائم المحرجة على قوات العثمانيين وحلفائهم مع أنهم كانوا أكبر منهم في العدد إلا أنهم استطاعوا هزيمتهم وقطعوا خطوط الإمدادات الحربية وأجبروهم على القتال والفرار نحو أماكن القوات البريطانية في شمال بلاد ما بين النهرين.[157]

استطاع الجنرال نيكولاي يودنيتش القائد الروسي من عام 1915 إلى 1916 إخراج العثمانيين من معظم جنوب القوقاز بعد سلسلة من الانتصارات.[152] في عام 1917 كلف الدوق الروسي نيكولاي نيكولايفيتش ليكون قائدًا لجبهة القوقاز. خطط نيكولايفتش بعمل سكك حديدية من جورجيا الروسية لغزو الأراضي ومنها يستفيد من هذه السكك في جلب الإمدادات الحربية بسرعة أكبر في حال أي هجوم جديد سيقوم به في عام 1917. ومع ذلك ففي شهر مارس (فبراير/شباط في التقويم الروسي قبل الثورة) من نفس السنة تنازل القيصر الروسي عن العرش بسبب ثورة فبراير [158] عندها بدأ الجيش الروسي القوقازي بالتفكك بعد ذلك الحدث الكبير.

الثورة العربية الكبرى (1916)

الشريف حسين بن علي

بتحريض من المكتب العربي في وزارة الخارجية البريطانية بدأت الثورة العربية الكبرى بمساعدة البريطانيين في 10 يونيو 1916 [159] في مكة وانطلقت النيران على ثكنات الجيش العثماني بعد أن رفض العُثمانيون مطالب الشريف الخاصة بإعلان العفو عن المتهمين السياسيين من العرب، قبل أن يشنقهم جمال باشا (هو من زعماء جمعية الاتحاد والترقي).[159] أعلن الشريف حسين بمناسبة إشعال الثورة منشور ًا جاء فيه:

الحرب العالمية الأولى إن الإتحاديين خرجوا على العهد الأخوي بين الشعبين، رغم المعونة الصادقة التي بذلها العرب في ظل الخلافة، وخرجوا عن الشريعة فبدَّلوا الأحكام، وشنقوا أحرار العرب جماعات وفُرادى، وشرَّدوا أُسرهم ونفوها من أرضها، وصادروا الأموال، ولقد نصحنا فلم ينفع النصح، وقد وفقنا الله لأخذ الإستقلال فضربنا على أيدي الإتحاديين، وإنفصلت بلادنا عن المملكة العثمانية إنفصالًا تامًا، وأعلنَّا إستقلالًا، لاتشوبه شائبة مداخلة أجنبية، ولا تحكم خارجي، جاعلين الغاية نصر دين الإسلام، وإعلاء شأن المسلمين، مستندين في كل أعمالنا على الأحكام وأصول القضاء.[159] الحرب العالمية الأولى

ووقعت معركة مكة المكرمة بقيادة حسين بن علي الهاشمي شريف مكة المكرمة وانتهت باستسلام العثمانيين في دمشق. بينما قاوم حاكم المدينة المنورة فخري باشا مدة سنتين وسبعة أشهر في حصار المدينة المنورة خلال الحرب العالمية الأولى.[160] تشير التقديرات إلى أن القوات العربية المشاركة في الثورة بلغ عددهم 5,000 جندي.[161] ولكن هذا الرقم ربما ينطبق على القوات النظامية الذين قاتلوا خلال حملة سيناء وفلسطين مع قوة التجريدة المصرية بقيادة ألنبي، وليست القوات الغير نظامية تحت إشراف لورانس العرب وفيصل الأول.

على طول الحدود من ليبيا الإيطالية ومصر البريطانية تم تحريض وتسليح القبائل السنوسية على يد العثمانيين وشنوا حرب عصابات على نطاق ضيق ضد قوات الحلفاء مما اضطر بالبريطانيون أن يرسلوا 12,000 جندي للاعتراض على الحملة السنوسية، وقد سُحق تمردهم تمامًا في منتصف عام 1918.[162]

بلغ إجمالي خسائر الحلفاء على الجبهات العثمانية 650,000 جندي، وبلغ إجمالي عدد ضحايا العثمانيين 725,000 (القتلى 325,000 والجرحى 400,000).[163]

المشاركة الإيطالية

القوات النمساوية المجرية في تيرول، 1915.

كانت إيطاليا متحالفة مع الإمبراطوريتان الألمانية والنمساوية المجرية منذ عام 1882 كجزء من الحلف الثلاثي ومع ذلك فقد كان لها مخططات خاصة في الأراضي النمساوية المجرية في ترينتو، الساحل النمساوي، فيوم (رييكا) ودالماسيا. كان لدى روما اتفاق 1902 السري مع فرنسا وهذا نجح في إبطال تحالفهما.[164] في بداية القتال، رفضت إيطاليا الدخول في الحرب طوال عام 1914 رغم أنها كانت عضوا في التحالف الثلاثي مع الإمبراطورية النمساورية المجرية والإمبراطورية الألمانية إلا أنها قالت أن التحالف الثلاثي هو للدفاع وأن الإمبراطورية النمساوية المجرية هي المعتدي هنا. بدأت الحكومة النمساوية المجرية المفاوضات لتأمين حياد الإيطالية وذلك بتقديم مستعمرة تونس الفرنسية كمقابل لهذا التأمين. قام الحلفاء بتقديم عرض مضاد من أجل أن تنضم إيطاليا إليهم، وهو تقديم ترينتينو ألتو أديجي، الساحل النمساوي وإقليم في ساحل دالماسيا في حال انتصارهم على القوات النمساوية المجرية. أصبح هذا العرض رسميًا بعد توقيع اتفاقية لندن السرية[165] قبل أن تُكشف من قبل الروس البلشفيين خلال الثورة البلشفية في نوفمبر 1917 بصحيفة إزفيستيا. بعد غزو الحلفاء لتركيا في أبريل عام 1915 انضمت إيطاليا إلى الحلف الثلاثي وأعلنت الحرب على النمسا والمجر في 23 مايو وبعد خمسة عشر شهرًا أعلنت إيطاليا الحرب على ألمانيا.

تم تدبير دخول إيطاليا في الخفاء من قبل ثلاثة أفراد هم: رئيس الوزراء الإيطالي أنتونيو سالاندرا، وزير الخارجية سيدني سونينو وملك إيطاليا فيكتور عمانويل الثالث.[166]

«في 19 فبراير 1915 وعلى الرغم من المفاوضات المتزامنة مع النمسا أُرسل ساعي في سرية كبيرة إلى لندن مع اقتراح أن إيطاليا مستعدة لأي عرض جيد من دول الوفاق... وساعد الاختيار الأخير في شهر مارس بعد وصول أنباء عن انتصارات الروس في منطقة الكاربات. بدأ أنتونيو سالاندرا بالإعتقاد في أن الانتصار لدول الوفاق يمكن رؤيته، وكان متوترًا من أن يكون قد تأخر جدًا في الحصول على حصة في الأرباح بعدما أصدر تعليمات لمبعوثه في لندن في أن يسقط بعض المطالب والتوصل إلى اتفاق بسرعة...أُبرمت معاهدة لندن في 26 أبريل ملزمة إيطاليا لبدء القتال في غضون شهر واحد. ليس حتى 4 مايو ألغى سالاندرا المعاهدة مع التحالف الثلاثي في مذكرة خاصة إلى الموقعين عليه.[167]»

عسكريًا تميزت إيطاليا بالتفوق العددي بجيشها ومع ذلك فقد فقدت هذه الميزة بسبب التضاريس الصعبة في أرض المعركة والاستراتيجيات والتكتيتات الحربية المستخدمة. كان المشير لويجي كادورنا مؤيدًا قويًا للهجوم المباشر وحلم باقتحام هضبة سلوفينيا، الاستيلاء على ليوبليانا وتهديد فيينا. لم تُؤخذ خطته بعين الاعتبار بسبب الصعوبات التي تواجهها هذه الخطة مثل جبال الألب الجوليانية وهضبة كارست والتغييرات التكنلوجية التي تسببت في ظهور حرب الخنادق التي هي سلسلة من الهجمات الدامية المتوقفة والغير حاسمة.[168]

في جبهة تورنتينو استغلت القوات النمساوية المجرية التضاريس الجبلية وفضلت وضع المدافع فيها. بعد تراجع الاستراتيجية الأولية بقيت الجبهة على حالها دون تغيير بينما تشارك القتال فوجين من أفواج الجيش النمساوي المجري مع القوات الإيطالية طوال فترة الصيف. في ربيع عام 1916 قامت قوات المجر بهجوم مضاد على مقاطعة أسياغو الإيطالية باتجاه بادوفا وفيرونا ووقعت معركة أسياغو ولكنهم لم يحرزوا سوى القليل من النجاح.[169]

في بداية عام 1915 شن الإيطاليون بقيادة لويجي كادورنا إحدى عشرة هجمة في معركة إيسونزو بالقرب من نهر سوكا في الشمال الشرقي من مدينة ترييستي، وقد صدت جميع الهجمات من قبل القوات النمساوية المجرية. في صيف 1916 وبعد معركة دوبردو استولى الإيطاليون على مدينة غوريتسيا بعد هذا الفوز الصغير بقيت الجبهة ثابتة لأكثر من سنة، على الرغم من عدة هجمات إيطالية تركزت على هضبتي بانجسيك وكارست شرق غوريتسيا. في خريف 1917، بفضل تحسن الوضع على الجبهة الشرقية حصلت القوات النمساوية المجرية على تعزيزات؛ وهي قوات الصدمة الألمانية ونخبة من فيلق جبال الألب.

في 26 أكتوبر 1917 شنت قوى المركزهجومًا ساحقًا وقد كان في مقدمتهم القوات الألمانية. حققوا انتصارًا في معركة كابوريتو (في قرية كوباريد). انهزم الجيش الإيطالي وتراجع أكثر من 100 كيلومتر (62 ميل) لإعادة التنظيم واستقرار الجبهة في معركة نهر بيافي. ومنذ أن تكبد الجيش الإيطالي خسارة كبيرة في معركة كابوريتو قررت الحكومة الإيطالية بحمل سلاح مايمسمى بـ (بالإنجليزية: 99 Boys)‏ (بالإيطالية: Ragazzi del 99)‏/ وهذا يعني حمل السلاح لأي ذكر عمره 18 أو أكثر. في 1916 فشلت القوات النمساوية المجرية في الاختراق عن طريق سلسلة من المعارك على نهر بيافي، وهُزمت أخيرًا في معركة فيتوريو فينيتو في شهر أكتوبر من تلك السنة. في 1 نوفمبر دمرت البحرية الإيطالية أسطول الجيش النمساوي المجري المتمركز في بولا، ومنعه من أن يُسلم إلى دولة السلوفينيين والكروات والصرب الجديدة. في 3 نوفمبر احتل الإيطاليون ترييستي عن طريق البحر، وفي نفس اليوم تم توقيع هدنة فيلا غوستي. في منتصف نوفمبر 1918 احتل الإيطاليون الساحل النمساوي بأكمله وسيطروا على جزء كبير من دالماسيا التي كانت مضمونة لإيطاليا في معاهدة لندن.[170] بحلول نهاية الأعمال العدائية في نوفمبر 1918،[171] عين إنريكو ميلو نفسه محافظ إيطاليا لدالماسيا.[171] وقبل ذلك استسلمت القوات النمساوية المجرية في بداية نوفمبر 1918.[172][173]

المشاركة الرومانية

المارشال جوزيف جوفري يتفقد القوات الرومانية، 1916.

كانت رومانيا متحالفة مع دول المركز منذ عام 1882 ومع ذلك فقد أعلنت عن حيادها بحجة أن الإمبراطورية النمساوية المجرية هي من أعلنت الحرب على صربيا وبالتالي فإن رومانيا ليست تحت أي التزام رسمي بالمشاركة فيها. ولكن عندما وعدت دول الوفاق رومانيا في حال إعلان الحرب على دول المركز بأن تحصل على أراضٍ في شرق المجر (ترانسيلفانيا وبانات) اللتان كانتا تحتويان على عدد كبير من السكان الرومانيون، تخلت الحكومة الرومانية عن حيادها. في 27 أغسطس 1916 شن الجيش الروماني وبدعم محدود من الروس هجومًا ضد القوات النمساوية المجرية في معركة ترانسيلفانيا. كان الهجوم الروماني ناجحًا وتسبب في تراجع القوات النمساوية المجرية في تراسيلفانيا ولكن الهجوم المرتد من قوى المركز تسبب في تراجع القوات الرومانية الروسية للخلف.[174] كنتيجة لذلك ففي معركة بوخارست احتلت قوى المركز مدينة بوخارست في 6 ديسمبر 1916. مع أن الحملة العسكرية الرومانية مُنيت بالفشل إلا أنه لم تستطع قوى المركز تحقيق هدفها المتمثل في إزالة رومانيا من الحرب لأنها واصلت الحرب مع الحلفاء.[175] في عام 1917 استمر القتال في مولدوفا وهذا أدى إلى مأزق كبير له تكلفته العالية عند سلطة القوى المركزية.[176][177] انسحب الروس من الحرب في أواخر عام 1917 كنتيجة لالثورة البلشفية وهي أول الدول خروجُا من الحرب وذلك بسبب تدهور جيوشها معنويًا وإصابتها النكبات والمذابح بسبب جهل القيادة ونقص الذخيرة وانتشار المجاعة في الريف، وعجز الحكومة القيصرية ودولتي الوسط في إنقاذ هذا الوضع المتدهور. فبعد قيام الثورة رفض الجيش أن يقاوم الثوار وهذا تسبب في إرغام القيصر على التنازل عن حكمه للبلاد وبذلك انتهى حكم أسرة رومانوف.[178] بعد ذلك أُجبرت رومانيا على توقيع هدنة مع دول المركز في 9 ديسمبر 1917.

القوات الرومانية خلال معركة ميراسيستي، 1917.

في يناير 1918 سيطرت القوات الرومانية على محافظة بيسارابيا بعدما تخلت القوات الروسية عنها. مع أنه تم توقيع معاهدة بين الحكومة الرومانية والحكومة الروسية البلشفية بعد مفاوضات استمرت من 5–9 مارس 1918 على انسحاب القوات الرومانية من بيسارابيا في غضون شهرين. إلا وبسبب الثورة البلشفية تدخلت رومانيا ظاهريًا لتهدئة الوضع وبعد فترة وجيزة أعلن البرلمان استقلالها عن روسيا واتَّحدت بيسارابيا بعد ثلاثة أشهر مع مملكة رومانيا فأصبحت رومانيا ذات سيادة على بيسارابيا.[179]

في 7 مايو 1918 وقَّعت رومانيا معاهدة سلام مع دول المركز عرفت باسم معاهدة بوخارست. في تلك المعاهدة أُلزمت رومانيا على إنهاء الحرب مع دول المركز وتقديم تنازلات إقليمية صغيرة إلى الإمبراطورية النمساوية المجرية وإعطاء الأخيرة حق السيطرة على جبال كاربات، وتأجير حقول النفط الرومانية لصالح ألمانيا لمدة 90 عامًا وإرجاع جنوب دوبروجا والتنازل عن شمال دوبروجا لبلغاريا أما الباقي من المحافافظة فإنها ستكون تحت سيطرة دول المركز وبالمقابل لكل ذلك فسيتم الاعتراف رسميًا بسيادة رومانيا على بيسارابيا.[180] في أكتوبر من نفس العام تخلَّى عن هذه المعاهدة حكومة ألكساندرو مارغيلومان بعدها دخلت رومانيا الحرب مرة أخرى في 10 نوفمبر 1918. في اليوم التالي أُلغيت هذه المعاهدة بسبب هدنة كومبيين.[181][182] وصل مجموع عدد الوفيات الرومانية بين القوات العسكرية والمدنيين داخل الحدود من عام 1914 إلى 1918 إلى حوالي 748,000.[183]

الجبهة الشرقية

الإجراءات الأولية

القوات الروسية بأحد الخنادق في انتظار الهجوم الألماني، 1917.

استمرت الحرب في شرق أوروبا بينما وصلت إلى طريق مسدود في الجبهة الغربية. كانت المخططات الروسية أن تغزو مملكة غاليسيا النمساوية وبروسيا الشرقية الألمانية في وقت واحد. مع أن التقدم الروسي في غاليسيا كان ناجحًا مبدئيًا إلى حد كبير إلا أنه تراجعوا للوراء بسبب انتصار الجيش الألماني بقيادة الجنرال الألماني باول فون هيندنبورغ والجنرال إريك لودندورف للجيش الألماني في بروسيا الشرقية في معركة تاننبرغ ومعركة بحيرات ماسوريان الأولى في أغسطس وسبتمبر من عام 1914.[184][185] كانت الصناعة في روسيا الأقل نموًا اقتصاديًا والقيادة العسكرية غير الفعالة لها دور أساسي في الأحداث التي وقعت. مع ربيع عام 1915 تراجع الروس إلى غاليسيا وفي شهر مايو تمكنت دول المركز من اختراق حدود جنوب بولندا.[186] في 5 أغسطس تمكن الألمان من احتلال وارسو وأجبروا الروس على التراجع والخروج من بولندا.

الثورة الروسية

مع الرغم من نجاح هجوم بروسيلوف في شمال غاليسيا في يونيو 1916.[187] كانت سياسة الحكومة الروسية قد تسبب في استمرار الحرب. انتعشت قوات التحالف والروس نشاطها مؤقتا فقط مع دخول رومانيا للحرب في 27 أغسطس. جاءت القوات الألمانية لمساعدة قوات الإمبراطورية النمساوية المجرية المحاصرة في ترانسيلفانيا بينما هاجمت القوات الألمانية البلغارية من ناحية الجنوب، وسقطت بوخارست في 6 ديسمبر على يد قوات دول المركز. في الوقت نفسه نمت الاضطرابات في روسيا بينما بقي القيصر نيقولا الثاني في الجبهة. جرِّدت الإمبراطورة ألكسندرا من أهليتها وزادت الاحتجاجات على نحو متزايد بعد مقتل الراهب غريغوري راسبوتين في نهاية 1916.

في مارس 1917 توجهت المظاهرات في سانت بطرسبرغ نحو القيصر نيقولا الثاني ليتنازل عن العرش وتعيين حكومة روسية مؤقتة ضعيفة ومشاركتها السلطة مع الاشتراكيين في سانت بطرسبرغ، أدى هذا إلى الارتباك والفوضى سواء كان في الجبهة أو المنزل، وأصبح الجيش الروسي غير نافع للقيصر ولايقاوم هذه المظاهرات.[186]

معاهدة برست ليتوفسك، 1918.
1. أوتوكار فون سيرنين
2. ريتشارد فون كوهلمان
3. فاسيل رادوسلافوف

أدى السخط والضعف في الحكومة المؤقتة إلى ارتفاع شعبية الحزب البلشفي بقيادة فلاديمير لينين الذي طالب بوضع حد فوري للحرب. مع نجاح الثورة البلشفية في نوفمبر بعدها بشهر في ديسمبر تم التوصل إلى هدنة ومفاوضات مع ألمانيا. رفض البلاشفة شروط الألمان في البداية، ولكن بعدما بدأت قوات ألمانيا تسير نحو أوكرانيا قبلت الحكومة الجديدة شروط معاهدة برست ليتوفسك في 3 مارس 1918. وقد نصت المعاهدة على:

  1. التخلي عن أراضي شاسعة من بينها فنلندا وأجزاء من دول البلطيق وبولندا.
  2. الجلاء عن أوكرانيا والاعتراف بمعاهدتها مع ألمانيا لدول المركز.
  3. الامتناع عن نشر الدعاية.
  4. التنازل لتركيا عن أرداهان وقارس وباطوم.[178][188]

مع النجاح الهائل لألمانيا فإن عدد القوات الألمانية المسلحة المطلوبة لاحتلال الأراضي الروسية السابقة قد ساهم في فشل هجوم الربيع إضافة إلى تأمين الغذاء القليل وغيره من العتاد العسكري.

مع اعتماد معاهدة بريست ليتوفسك لم يعد حلف الوفاق قائمًا. تدخل الحلفاء في الحرب الأهلية الروسية جزئيًا لوقف ألمانيا من استغلال الموارد الروسية وإلى حد أقل لدعم الجيش الأبيض ضد الجيش الأحمر في الحرب الأهلية الروسية.[189] وصلت قوات الحلفاء إلى أرخانغلسك وفلاديفوستوك كجزء من حملة شمال روسيا.

الفيلق التشيكوسلوفاكي

الفيلق التشيكوسلوفاكي في فلاديفوستوك، 1918.

حارب الفيلق التشيكوسلوفاكي جنبًا إلى جنب مع قوات الوفاق وقد كان هدفهم النصر حتى يكسبوا تأييدهم لإستقلال تشيكوسلوفاكيا. أُنشئ الفيلق في عام 1917 في روسيا وفي ديسمبر في فرنسا (من بين المتطوعين كان هناك أمريكيون) وفي أبريل 1918 أُنشئ في إيطاليا. تواجهت القوات التشيكوسلوفاكية مع قوات الجيش النمساوي المجري في إحدى قرى أوكرانيا زبوريف ووقعت معركة زبوريف (1-2 يوليو 1917). بعد هذا الانتصار ارتفع عدد الفيلق التشيكوسلوفاكي إضافًة إلى القوة العسكرية التشيكوسلوفاكية، ففي معركة باخماتش هزم الفيلق قوات الإمبراطورية الألمانية وأجبرهم على وضع هدنة.

في روسيا، انشغلت الحكومة في قتالها الحرب الأهلية الروسية التي كانت تحت قيادة البلاشفة والتحكم في سكة الحديد العابرة لسيبيريا إضافًة إلى قهر جميع المدن الرئيسية في سيبيريا. كان لوجود الفيلق التشيكوسلوفاكي بالقرب من ييكاتيرينبرغ واحدًا من القوى الدافعة للبلاشفة ليطلقوا النار على أسرة رومانوف في يوليو 1918. وصل الفيلق بعد أقل من أسبوع واستولى على المدينة.[190]

لأن الموانئ الروسية الأوروبية لم تكن آمنة تمَّ إجلاء الفيلق بواسطة التفاف طويل عبر ميناء فلاديفوستوك، وكان آخر نقل لسفينة أمريكية قد تم في عام 1920.

اقتراح قوى المركز بدء مفاوضات السلام

"لن يمروا" هو شعار ارتبط بالدفاع في معركة فردان.
مدينة فردان بعد المعركة، 1916

في ديسمبر 1916 وبعد عشرة أشهر من القتال الدامي في معركة فردان ونجاح حملة رومانيا، حاول الألمان التفاوض على السلام مع الحلفاء، فقد أصبحت الهجمات الألمانية عاجزة عن القيام بضربة شاملة ولم يعد أمام الجيوش الألمانية سوى الدفاع والتراجع أمام القوى الهجومية المتزايدة من الحلفاء.[191] إضافًة أن الجبهة الداخلية بدأت تتداعى والتذمر من رجال البحرية الذين أمضوا الوقت منذ معركة جوتلاند (1916) دون عمل، والمتنفذين اليهود حركوا قوى العصيان وانتشر التذمر في المدن بسبب النقص الشديد في المواد الغذائية.[192] اتجهت القيادة العسكرية إلى طلب الهدنة بوساطة الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون ليكون صانع السلام بين الطرفين، وطلب من كلا الطرفين أن يذكرا مطالبهما. في البداية رفض رئيس وزراء الحرب البريطاني ديفيد لويد جورج طلب الرئيس الأمريكي [193] واعتبر أن العرض الألماني هو حيلة لخلق انقسامات بين الحلفاء. فشلت المفاوضات ورفضت قوى الوفاق العرض الألماني، لأن ألمانيا لم تذكر أي مقترحات محددة. وذكرت سلطات دول الوفاق أنهم لن يبدأوا مفاوضات السلام حتى تقوم قوى دول المركز بإجلاء جميع الأراضي التي احتلها الحلفاء وعمل تعويضات لكل الأضرار والاعتراف بمبدأ القوميات.[194] وبعد العديد من المداولات وافقت ألمانيا على هذه الشروط خاصة وأن الولايات المتحدة كانت على وشك دخول الحرب ضد ألمانيا بعد حادثة اعتداء الغواصة. وفيما يتعلق بمسألة الأمن، سعى الحلفاء على وضع الضمانات التي من شأنها أن تمنع أو تحد من الحروب في المستقبل، مع استكمال العقوبات كشرط لأي تسوية سلمية.[195]

لقد اعتقدت القيادة العسكرية الألمانية أن الهدنة ستكون لصالحها مثل أن تحتفظ على الأقل بقواتها المسلحة وحكومتها، ولكن الرئيس الأمريكي وضع شروطًا قاسية إن أراد الألمان أن يقبلوا عقد الهدنة. ومن هذه الشروط أنه على الإمبراطور الألماني والقيادات العسكرية التي تولت أمر ألمانيا خلال الحرب أن تعتزل من مناصبها وتفسح الطريق أما حكومة ديموقراطية تتولى التفاهم على الصلح مع الديموقراطيات الغربية المنتصرة، وتنازل الإمبراطور وفرَّ من البلاد واستقالت القيادات العسكرية والسياسية وعقدت الهدنة في نوفمبر 1918.[192]

التطورات في عام 1917

أحداث عام 1917 أثبتت دورها الحاسم في إنهاء الحرب، ولم يُشعر بآثارها المباشرة حتى عام 1918. بدأ الحصار البحري البريطاني يصبح ذو تأثير خطير على ألمانيا. في شهر فبراير 1918 أقنع هيئة الأركان الألمانية المستشار الألماني تيوبالت فون بتمان هولفيغ لكي يعلن عن حرب غواصات بهدف تجويع بريطانيا عن طريق إغراق سفن بريطانيا وسفن الدول المحايدة المتعاملة معها بواسطة أعداد كبيرة من الغواصات التي بنتها على عجل ولكن الخطة قد فشلت بسبب استخدام الإنجليز نظام قوافل السفن التي تسير في حراسة الأسطول، ولأن عددًا كبيرًا من هذه الغواصات دمرتها قطع الأسطول الإنجليزي.[196] وقد قدَّر المخططون الألمانيون أن حرب الغواصات الغير محدود سيكلف بريطانيا خسارة شحن شهرية تصل إلى 600,000 طن. اعترفت هيئة الأركان العامة أن استخدام هذه السياسة من المؤكد أنها ستجلب الولايات المتحدة إلى هذه الحرب ولكنهم في نفس الوقت قاموا بعمل حسابات أخرى وهي أنه في حال المضي بخطتهم فإن بريطانيا وبسبب أن خسارتها في الشحن البحري ستكون مرتفعة للغاية فإنه من الممكن أن تضطر لأن ترفع دعوى للسلام بعد 5 أو 6 أشهر وقبل أن يكون للتدخل الأمريكي تأثير في هذه الحرب. وفي الواقع ارتفع غرق حمولات الشحن إلى 500,000 طن من شهر فبراير إلى يوليو وبلغت ذروتها القصوى في أبريل بعدما غرق 860,000 طن. بعد يوليو أُعيد نظام القوافل مرة أخرى في هذه الحرب وهذا أثَّر على الحد من تهديد غواصات U-boat الألمانية. بعد العمل على هذا النظام أصبحت بريطانيا في مأمن من الجوع، بينما انخفض الإنتاج الصناعي الألماني وانضمت الولايات المتحدة للحرب في أعداد كبيرة في وقت أبكر مما توقعته ألمانيا. خلال تلك السنة استطاعت غواصات U-boat أن تجد السفن التي كانت تبحر بشكل مستقل وتُغرقها، ولكن نجاح هذه الغواصات بدأ بالانخفاض. في يناير 1918 أغرقت غواصات U-boat الألمانية حوالي 103,738 طن من حمولة السفن بينما أغرقت القوات النمساوية 20,020 طن.[197] في أكتوبر وصلت خسائر الحلفاء عند نهاية هذه الحملة لتلك السنة 761,000 طن.[198]

صورة فوتوغرافية ملونة باستخدام تقنية أوتوكروم لوميير لجندي فرنسي يقوم بالإستطلاع في إقليم الراين فرنسا أثناء الحرب العالمية الأولى، 1917.

في 3 مايو 1917 وخلال معركة نيفل أصبح كتيبة الفرنسية الثانية متعبة من القتال في معركة فردان، وقد رفضوا الانصياع للأوامر وقد ظهروا في حالة سكر وبدون أسلحتهم ولم يستطع ضباطهم معاقبة الكتيبة بأكملها ولم تُنفذ على الفور أي تدابير قاسية لمعاقبتهم. في 27 مايو تمرد الجيش الفرنسي وفرَّ عدد من الجنود وبعد فترة تحولت الفرارات الفردية إلى تمرد واسع الانتشار وترك 30,000 جندي خط الجبهة والخنادق الاحتياطية وتراجعوا للوراء.[199] هاجمت قوات الحلفاء الأخرى قوات العدو ولكن معدل الخسائر كان هائلًا.[200] ومع ذلك وبسبب أهمية الواجب الوطني تجاه البلد وظهور الاعتقالات الجماعية والمحاكمات بدأ الجنود بالعودة والدفاع عن خنادقهم.[201]

انتصرت القوات الألمانية والقوات النمساوية المجرية على الحلفاء في معركة كابوريتو (24 أكتوبر –7 نوفمبر 1917) وقد كان لاستخدام الألمان للأسلحة الكيماوية دور كبير في انتصارهم.[202] بعد الهزيمة عقد الحلفاء مؤتمر رابالو بهدف تحسين التعاون العسكري الحلفاء ووضع إستراتيجية موحدة.[203] بينما كانت الجيوش البريطانية والفرنسية في السابق تعمل تحت أوامر منفصلة.

في ديسمبر وقعت دول المركز هدنة مع روسيا وتسببت هذه الهدنة في تحرير عدد كبير من الجنود الألمانيون من الخدمة في الغرب. مع التعزيزات الألمانية وتدفق القوات الأمريكية كانت النتيجة المقررة على الجبهة الغربية. لقد عرفت قوات الحلفاء أنهم لن يتمكنوا من كسب الحرب التي طال أمدها ولكن عقدوا الآمال في النصر في هجوم نهائي وسريع. علاوة على ذلك فقد أصبح قادة دول المركز والحلفاء يخشون بشكل متزايد من الاضطرابات الاجتماعية والثورات في أوروبا، وبالتالي فقد سعى كلا الجانبين بالنصر الحاسم والسريع لهذه الحرب.[204]

في 1917 قام الإمبراطور تشارلز الأول بعمل مفاوضات سرية مع جورج كليمانصو وشقيق زوجته الأمير سيكستوس في بلجيكا كوسيط بدون علم ألمانيا. عارضت إيطاليا المقترحات وبعد فشل المفاوضات السرية اكتشفت ألمانيا عما كان يعمل عليه الإمبراطور وهذا الاكتشاف أدَّى إلى وقوع كارثة دبلوماسية.[205][206]

صراع الدولة العثمانية 1917-1918

في عام 1917 بعد معركة غزة الأولى (26 مارس 1917) والثانية (17–19 أبريل 1917) أوقفت القوات الألمانية والعثمانية بعدما تقدمت قوة التجريدة المصرية التي كانت مُستخدمة منذ أغسطس 1916 في معركة رمانة. في نهاية أكتوبر استؤنفت حملة سيناء وفلسطين بعدما قاد الجنرال إدموند ألنبي قواته ضد العثمانيون وهجومه بئر السبع ومن ثم انتصاره في معركة بئر السبع (31 أكتوبر 1917) بعدما اخترقت قوات إدموند بئر السبع وقعت معركة غزة الثالثة (31 أكتوبر - 7 نوفمبر 1917).[207] بعد عدة أسابيع انهزم جيشين من جيوش الدولة العثمانية في معركة قمة جبل المغار (13 نوفمبر 1917)، وفي بداية ديسمبر تم الإستيلاء على القدس بعدما انهزمت القوات العثمانية في معركة القدس (17 نوفمبر – 30 ديسمبر 1917). في تلك الفترة أعفي الجنرال الألماني كريس فون كرسنشتاين من مهامه كقائد للجيش الثامن واستُبدل بسيفات شوبانلي، وبعد عدة أشهر أُعفي قائد الجيش العثماني في فلسطين إريش فون فالكنهاين واستُبدل بأوتو ليمان فون ساندرز.

الرماحون الهنود يسيرون عبر حيفا بعد أن تم الاستيلاء عليها

في بداية عام 1918 امتد خط الجبهة إلى وادي الأردن واحتُلت أريحا، واستمر الاحتلال إلى أن وقعت معركة شرق الأردن الأولى (21 مارس – 2 أبريل 1918)[208][209] ومعركة شرق الأردن الثانية (30 أبريل – 4 مايو 1918) بين القوات البريطانية والقوات العثمانية. في معظم شهر مارس أُرسلت معظم قوات التجريدة المصرية البريطانية وسلاح الفرسان للقتال على الجبهة الغربية بسبب هجوم الربيع، ولكنهم بعد ذلك أستُبدلوا بوحدات الجيش الهندي. خلال عدة أشهر من إعادة التنظيم والتدريب في فصل الصيف، عدد من هجمات حملة سيناء وفلسطين نفذت على أجزاء من خط الجبهة العثمانية. وهذا دفع خط الجبهة نحو الشمال إلى مواقع مفيدة استعدادًا للهجوم وللتأقلم مع مشاة الجيش الهندي التي وصلت لهذه الحملة. في منتصف شهر سبتمبر أصبحت القوة المتكاملة جاهزة ومستعدة للقتال في عمليات واسعة النطاق في سيناء وفلسطين.

في سبتمبر 1918 اقتحمت قوات المشاة المصرية المنظمة مع عدد من الفرسان قوات الجيش العثماني في معركة مجدو (19–25 سبتمبر 1918).[210] استطاعت قوات المشاة البريطانية والهندية في خلال يومين كسر خط الجبهة العثمانية واستولت على مقر الجيش العثماني الثامن في معركة طولكرم (19 سبتمبر 1918) وفيها أُلقي القبض على 800 سجين و12 مدفع ميداني.[211][212] استمر القتال على طول خط الخنادق العثمانية ووقعت معركة تبصر (19–20 سبتمبر 1918) ومعركة وادي عارة (19 سبتمبر 1918)، كذلك تم الإستيلاء على المقر الرئيسي للجيش العثماني السابع في معركة نابلس (19 - 25 سبتمبر 1918) والتي تُعتبر آخر هجوم في حملة سيناء وفلسطين.[213] عبر فيلق الخيالة الصحراوي خط الجبهة التي استولي عليها خلال العمليات المستمرة من قبل قوات المشاة، سلاح الفرسان الأسترالي، الفرسان البريطانيون، الرُّمََاحون الهنود وفرقة الخيالة النيوزيلندية في مرج ابن عامر، وقاموا باحتلال العفولة وبيسان (20 سبتمبر 1918)، احتُلت بيسان بدون أي قتال بين الساعة 16:30 و18:00،[214][215][216] أما العفولة فقد دخلوها في الساعة 8:00[217] وفيها أُلقي القبض على 75 ألماني و300 من قوات الجيش العثماني جنبًا إلى جنب مع عشر قاطرات للسكك الحديدية و50 عربة من عربات السكك الحديدية.[217][218] والناصرة وجنين (20 سبتمبر 1918) وحيفا في معركة حيفا (23 سبتمبر 1918) على ساحل البحر الأبيض المتوسط ودرعا شرق نهر الأردن على خط سكة حديد الحجاز. أيضًا في بحيرة طبريا احتُلت سمخ بعد معركة سمخ (25 سبتمبر 1918) وطبريا شمال مدينة دمشق. استطاعت تلك القوات في معركة شرق الأردن الثالثة احتلال معابر نهر الأردن، السلط وعمان وزيزا التي كان فيها معظم الجيش العثماني الرابع.[219][220] في 30 أكتوبر وبينما كان القتال لايزال مستمرًا في شمال مدينة حلب تم التوقيع على هدنة مودروس وبذلك انتهت الأعمال العدائية مع الدولة العثمانية.

الدخول الأمريكي

الرئيس الأمريكي ويلسون قبل أن يعلن الكونغرس قطع العلاقات الرسمية مع ألمانيا في 3 فيراير 1917.
برقية زيمرمان أرسلها آرثر زيمرمان من واشنطن إلى السفير الألماني هانريش فون إيكارد في المكسيك، 19 يناير 1917
فارس أمريكي مع حصانه يرتديان قناع الغاز، الصورة مابين 1917-1918 أو 1918-1919

عند اندلاع الحرب اتخذت الولايات المتحدة سياسة عدم التدخل لتجنب الصراع وأن تكون وسيط السلام. عندما أغرقت غواصة U-boat الألمانية لوسيتانيا في 7 يونيو 1915 وقتلت 128 أمريكي كان على متنها أعلن الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون مطالبته بإنهاء هجمات إغراق سفن الركاب وامتثلت ألمانيا لهذا القرار بأنها لن تهاجم سفن الركاب. لقد حاول ويلسون أن يلعب دور الوسيط ومع ذلك فقد حذَّر تكرارًا أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع حرب الغواصات التي تنتهك القانون الدولي. وقد ندَّد الرئيس الأمريكي الأسبق ثيودور روزفلت بهذا الاعتداء الألماني ووصفه «بالقرصنة».[221] كان قد أُعيد انتخاب ويلسون في 1916 وكان الداعمون له قد شددوا على أهمية أن يجعل الولايات المتحدة بعيدة عن هذه الحرب.

في يناير 1917 استأنفت ألمانيا حرب الغواصات وهم مدركين أن هذا من الممكن أن يُدخل الولايات المتحدة إلى الحرب، لذا أرسل وزير الخارجية الألماني برقية زيمرمان إلى المكسيك تقترح فيها أن تكون حليفةً لألمانيا في شنها الحرب على الولايات المتحدة وبالمقابل فإنه ألمانيا ستكون الداعم للمكسيك في حربها على الولايات المتحدة وستساعدها على استرداد أراضيها السابقة: تكساس ونيومكسيكو وأريزونا.[222] ولكن سلك الاستخبارات السرية البريطانية اعترضت هذه البرقية وفكَّت شفرتها وقدمتها إلى السفارة الأمريكية في المملكة المتحدة، ساهم هذا في إعلان الولايات المتحدة الحرب على ألمانيا.[223] بعدها نُشرت البرقية للعامة. دعا ويلسون العناصر المناهضة لهذه الحرب حتى يُنهي كل الحروب عن طريق الفوز والقضاء على سيطرة العسكرية من العالم. وقد جادل الرئيس الأمريكي في أن هذه الحرب مهمة لدرجة أن الولايات المتحدة كان عليها أن يكون لها رأي في مؤتمر السلام.[224] بعد غرق سبعة سفن تجارية تابعة للولايات المتحدة ونشر برقية زيمرمان أعلن الرئيس الأمريكي الحرب على ألمانيا.[225] وقد أعلن الكونغرس الأمريكي هذا في 6 أبريل 1917.

كان الجيش الأمريكي يحتوي على عدد قليل من الجنود ولكن بعد إقرار قانون الخدمة الانتقائي جُند 2.8 مليون رجل،[226] وبحلول صيف عام 1918، تم إرسال 10,000 جندي جديد لفرنسا في كل يوم. أعطى الكونغرس الجنسية الأمريكية للبورتوريكيون عندما جُنِّدوا للحرب العالمية الأولى.[227][228] كان الألمان قد أخطئوا في حساباتهم حينما ظنوا أن جنود الجيش الأمريكي لن يصلوا إلا بعد أشهر طويلة، وأنه من الممكن أن يوقف وصولهم غواصات U-boat.[229]

أرسلت الولايات المتحدة سفينة حربية إلى سكوبا فلو لتنضم لأسطول مدمرة غراند البريطانية للمساعدة في حراسة القوافل، أيضًا أرسلت عدة أفواج من قوات مشاة البحرية الأمريكية إلى فرنسا. لقد أراد البريطانيون والفرنسيون تعزيزات القوات الأمريكية لمساعدتهم في هذه الحرب وفي سير الإمدادات التي كانت على متن سفن الشحن. رفض الجنرال العسكري جون بيرشنغ فصل قواته لدعم الوحدات الفرنسية والإنجليزية على خطوط القتال وأصر على أن تكون قواته وحدة واحدة منفصلة ومميزة وتتحمل مسئولية منطقة ما، وكإستثناء فقد سمح للقوات الأمريكية ذوي الأصول الأفريقية والبورتوريكيون ذوي الأصول الأفريقية أن يذهبوا مع كتيبة القوات الفرنسية، وقد قاتلوا مع الكتيبة السادسة عشر الفرنسية في معركة شاتو ثيري ومعركة بيلو وود.[230] لقد كان مبدأ قوات المشاة الأمريكية استخدام الهجمات الأمامية في أثناء القتال وهذا هو ما تجاهلته الإمبراطورية البريطانية والقادة الفرنسيين منذ فترة طويلة بسبب خسارتها الكبيرة في الأرواح.[231]

هجوم الربيع الألماني 1918

كتيبة القوات الإقليمية البريطانية رقم 55 وقد أعماهم الغاز المسيل للدموع في معركة ليز، 10 أبريل 1918.

رسم الجنرال إريك لودندورف خططًا للهجوم على الجبهة الغربية في 1918:(الاسم الحركي: عملية مايكل). سعى هجوم الربيع تقسيم القوات البريطانية والفرنسية بسلسلة من الخدع والمكر. كانت القيادة الألمانية تأمل في إنهاء حربها قبل وصول القوات الأمريكية التي كان لديها العدد الكبير من الجنود. بدأت العملية في 21 مارس 1918 بهجوم من القوات البريطانية قرب مدينة أميان الفرنسية. حققت القوات الألمانية النجاح على بعد 60 كيلومتر (37 ميل).[232] كانت أميان واحدة من الأهداف الرئيسية لهجوم الربيع الألماني الذي بدأ في 27 مارس. استطاع الجيش الألماني الثاني دفع قوات الجيش البريطاني الخامس الذي خاض سلسلة من الإجراءات الدفاعية إلى الخلف. في 4 أبريل نجح الألمان في احتلال فيلار برودونو الفرنسية ولكن تم استعادتها بعد هجوم مضاد من القوات الأسترالية في تلك الليلة. في أثناء القتال قُصفت مدينة أميان من قبل المدفعية والطائرات الألمانية وقد تسبب هذا في تدمير أكثر من 2000 مبنى.[233] في 8 أغسطس 1918 وقع هجوم مضاد ناجح قام به الحلفاء في معركة أميان، التي كانت المرحلة الافتتاحية لهجوم المائة يوم. في 10 أغسطس أُجبر الجيش الألماني على التراجع عن طريق ممرات أرضية كانت قد احتلتها خلال العملية العسكرية مايكل ومن ثم انسحبت خلف خط هيندنبيرغ،[234] وهذا جعل ألمانيا تطلب الهدنة من الحلفاء، بعدها وُقِّعت هدنة كومبين الأولى التي أنهت الحرب.[235]

جنود فرنسيون تحت إمرة الجنرال الفرنسي غورو وهم يحملون الرشاشات الآلية بين أنقاض كاتدرائية بالقرب من نهر المارن، 1918.