تاريخ الشيعة في شبه القارة الهندية

يعود تاريخ التشيُّع في شبه القارة الهنديَّة إلى البعثات الإسلاميَّة الأولى، إذ يتمتّع الشيعة بتاريخ طويل وجُذور عميقة في شبه القارة الهنديَّة، إلا أن التأثير الرئيسيّ الأقدم هو تأثير الممالك الشيعيَّة في هضبة الدكن حيث تبلورت الثقافة الشيعيَّة الأصيلة والمُتميزة.[1]

لوحة رُسِمَت في بيجابور حوالي سنة 1630م. فيها يظهر السُلطان يوسُف عادل شاه جالسًا ويتسلم مفتاح الشرعية من الشاه إسماعيل الصفوي، مما يرمز إلى ولاء السُلالة العادل شاهية الثابت للعقيدة الإسلامية الشيعية، وقد تم تجسيد جميع سلاطين بيجابور التسعة في اللوحة.

وقد كانت تِلك البلاد بمثابة ملجأ لبعض الشيعة المنفيين من اضطهاد الأمويين والعباسيين والأيوبيين والعُثمانيين، فاستمرت الهجرة طوال الألفيّّة الثانية حتى تشكيل الدّول الحديثة، حيث اجتذب المذهب الشيعيّ معتنقين جُدد بين السُكان المحليين، خلال تلك القرون تمكن الشّيعة من تأسيس دولٍ ومُدنٍ قويّة ومؤثّرة اقتصاديًا وعسكريًا وثقافيًا، مثل السَّلطنة البهمنيَّة، والسَّلطنة العادل شاهيَّة، والسَّلطنة القُطب شاهيَّة، ودولة عوض، وصوبة البنغال، ودولة حيدر آباد. كما ساهموا في قيام وازدهار دولٍ أخرى مثل سلطنة المغول الهنديَّة.

برز منهم العديد من رجال الدَّولة العظام والنُبلاء الأقوياء الذين قادوا سياسة المِنطقة، من أبرزهم يوسُف عادل شاه مؤسّس الدَّولة العادل شاهيَّة، وبيرم خان الصدر الأعظم للهند المغوليَّة، وميرزا غياث بك الوكيل المُطلق، وشجاع الدَّولة ملك عوض وخليفته آصف الدَّولة، وآصف جاه قمر الدين مؤسِّس دولة حيدر آباد، ومُرشد قُلي خان مؤسِّس نواب البنغال ومُقيم عاصِمتها التي حملت اسمه. بالإضافة إلى مُمتاز محل الإمبراطورة الشّهيرة التي بُني تاج محل تكريمًا لها وعُدَّ مِن عجائب الدنيا السبع، ونور جهان الإمبراطورة القويَّة التي تمكنت من إبقاء عرش المغول ثابتًا، وتشاند بيبي الملكة والمُحاربة الشهيرة.

ومن الهند خرج كثرة من عُلماء الشيعة الفُضلاء مثل نور الله التستري المعروف بلقب الشهيد الثالث، والسيد دلدار علي الهندي، والميرزا مُحمّد الأخباري، ونجم الحسن اللكهنوي مؤسّس مدرسة الواعظين، ومن الفلاسفة والأدباء كان مير أنيس، وميرزا دبير، وميرزا غالب. كان معقل الشيعة وعاصمتهم الثقافيَّة تقبع في بلاد الدكن قبل أن يقوم السُلطان أورنكزيب عالمگير بغزو الممالك الشيعيَّة، فأصبحت لكهنؤ عاصمة دولة عوض هي العاصِمة الثقافيَّة للشيعة الهُنود وهي اليوم واحدة من أهم المُدُن الزاخرة بالفُنون والأدب والثقافة.

في العصر الحديث ساهم الشيعة في الحقبة الثوريَّة على الاحتلال الأجنبي لِشبه القارَّة الهنديَّة إذ اندلعت على يديهم الثورات التحرريَّة الأولى من الاحتلال البريطانيّ وقد تصدى فيها وريث مملكة عوض وأسرته المشهد القياديّ فيما يُعرَف بِثورة الهند سنة 1857. كما كان لهُم دورٌ في رسم سياسة المِنطقة إذ تأسَّست دولة باكستان الحديثة على يدي مُحمَّد علي جناح شيعيّ المذهب، وبُنِيَت على يد الرؤساء الأوائل الذين كانوا من الطائفة الشيعيَّة أيضًا.

في القرن الثامن عشر، انطلقت الحركات الفكريَّة السنيَّة المتشددة على يد مُحمّد بن عبد الوهاب وشاه ولي الله وأبنائه، حيث كان شاه عبد العزيز هو حامل لواء التَّحريض ضد الشيعة في دلهي. وتزامنت هذه الأفكار مع بدء الغزو البريطانيّ للهند وسُقوط السُلالات الحاكمة الشيعيَّة في البنغال وعوض. وأدَّت كُلُّ تِلك العوامل إلى الاضطهاد المُستمِر للشيعة، ووضعَت أسس العُنف المنظَّم ضِدهم الذي أصبح جزءًا من حياة الشيعة في شبه القارة الهنديَّة، وخاصةً باكستان.[2][3]

انظر أيضًا[عدل]


مراجع[عدل]

  1. ^ Jones, Justin (24 Oct 2011). Shi'a Islam in Colonial India: Religion, Community and Sectarianism (بالإنجليزية). Cambridge University Press. ISBN:978-1-139-50123-1. Archived from the original on 2024-04-29.
  2. ^ Abbas Zaidi (2016). "The Shias of Pakistan: Mapping an Altruistic Genocide". In Jawad Syed; Edwina Pio; Tahir Kamran; Abbas Zaidi (eds.). Faith-Based violence and Deobandi militancy in Pakistan. Palgrave Macmillan.
  3. ^ Metcalf, Barbara D. (14 Jul 2014). Islamic Revival in British India: Deoband, 1860-1900 (بالإنجليزية). Princeton University Press. ISBN:978-1-4008-5610-7. Archived from the original on 2024-04-29.